واجهت أوروبا الشرقية واحدة من أشد الأزمات الأمنية منذ عقود، إذ تسبب الصراع الروسي الأوكراني بالفعل في اندلاع انتعاش في أسواق النفط الخام والغاز بالإضافة إلى جرعة كبيرة من عدم اليقين، مما زاد من الضغط التضخمي المرتفع بالفعل على أسواق السلع العالمية. وارتفعت أسعار الغاز الطبيعي، لقيم الصناعة الكيميائية، في أوروبا بنسبة 30٪ يوميًا لتصل إلى أعلى مستوى لها، بينما ارتفع الفحم الأوروبي للعام المقبل بنسبة تصل إلى 13٪. وسيجد هذا بالتأكيد انعكاسًا لسلسلة المصب في صناعة البتروكيميائيات، والتي كان بعضها مرئيًا بالفعل، بحسب "كيم أوربس". وفي حيرة من التطورات، يتفق اللاعبون على أنه من السابق لأوانه إجراء تحليل مناسب للوضع الأخير. لكن هناك تساؤلات مفادها هل سيتعرض النفط الخام والغاز الطبيعي للعرقلة؟ وهل ستؤثر تكاليف الطاقة المرتفعة والضغوط التضخمية الناتجة عن ذلك على طلب المصب؟ وإلى أي مدى ستؤثر العقوبات على التجارة مع روسيا؟ وما هي أهمية روسيا في تجارة البوليمرات؟ وهل سيتم إعاقة إمدادات النفط الخام والغاز الطبيعي؟ وروسيا هي أكبر مصدر في أوروبا للطاقة والغاز الطبيعي والفحم الصلب. وتعتمد القارة على روسيا في أكثر من ثلث إمداداتها من الغاز عبر أوكرانيا. وعلى الرغم من أن روسيا أكدت على إبقاء إمداداتها من الغاز في الخارج "دون انقطاع"، وقالت شركة غازبروم الروسية لتصدير الغاز إن تدفقاتها إلى أوروبا عبر أوكرانيا كانت طبيعية، فإن إمدادات الوقود في أوروبا والتي هي بالفعل في خضم أزمة طاقة، وصلت إلى مستويات أعلى خطر بسبب الاضطرابات المحتملة. ومن حيث الأسعار، فإن المشهد الصعودي باقٍ، في ظل تأثيرات تكاليف الطاقة المرتفعة والضغوط التضخمية الناتجة على الطلب النهائي. ومن الواضح أن الارتفاع الحاد في أسعار الطاقة سيكون له آثار غير مباشرة على الإنتاج، خاصة في أوروبا، مما سيؤثر على انتعاش التجارة من ركود كوفيد. فيما يشعر اللاعبون الأوروبيون في مجال البتروكيميائيات بالقلق على نطاق واسع بشأن ارتفاع تكاليف المرافق بشكل حاد. وقال مصنع في إيطاليا: "قد يضطر المحولون إلى خفض معدلات تشغيلهم لمواجهة المكاسب الهائلة في تكاليف الطاقة والغاز". في وقت يشعر العديد من المصنّعين بالقلق أيضًا من التحول في الطلب من البلاستيك إلى المواد الخام الأخرى بينما يعتقد البعض أن ضعف ثقة المستهلك والاقتصادات الهشة قد تعيق موسم الذروة القادم لتطبيقاتها. في حين ان العقوبات المفروضة على روسيا هي في الغالب على البنوك والأفراد. بالإضافة إلى ذلك، روسيا ليست مستبعدة من نظام الدفع الدولي سوفت الذي تستخدمه البنوك، لأن هذا سيجعل مدفوعات إمدادات الغاز الروسي مستحيلة ويؤدي إلى توقف الإمدادات مع ما يترتب على ذلك من عواقب على المستهلكين الأوروبيين. لذلك، يعتقد اللاعبون في صناعة البتروكيميائيات على نطاق واسع أن التجارة من وإلى روسيا قد لا تتعرض لضربة قوية، طالما أن الصراع لا يتصاعد أكثر. إذا بقوا على ما هو عليه الآن، فإن العديد من اللاعبين يشيرون إلى قضية إيران. وقال تاجر كبير في سنغافورة: "إيران مُصدِّر للبولي إيثيلين أكبر من روسيا، والعقوبات لها تأثير ضئيل على صادرات البولي إيثيلين الإيرانية". بينما يعتقد اللاعبون في تركيا - العنوان الأساسي للبوليمرات الروسية - أن بعض الاضطرابات في التجارة مع روسيا قد تحدث لأن العمليات المالية قد تستغرق وقتًا أطول من المعتاد. ومع ذلك، يقولون، "من غير المرجح أن تتأثر مستويات العرض كثيرًا عندما نفكر في الواردات السلسة من إيران على الرغم من سنوات العقوبات المفروضة على البلاد". في وقت تعتبر روسيا ليست قوية في صادرات البوليمر كما في النفط والغاز والفحم. ومع ذلك، تشير الإحصائيات إلى أن روسيا تصدر حوالي 2.4 مليون طن من البوليمرات سنويًا، وهو ليس حجمًا صغيرًا. بينما تبرز الصينوتركيا كأكبر المستهلكين لصادرات البوليمرات الروسية. ويشكل البولي إيثيلين نصف إجمالي صادرات روسيا من البوليمر، بينما يشكل البولي بروبيلين 30% وجهتهم الرئيسية هي الصين بالنسبة للبولي إيثيلين وتركيا للبولي بروبيلين. أما بالنسبة للبولي إيثيلين، فإن 50٪ من صادراتها إلى الصين و9٪ إلى كازاخستان و4٪ إلى تركيا. فيما يتعلق بالبولي بروبيلين، تمتلك تركيا نسبة 23٪، وتحتل المرتبة الأولى في القائمة، تليها بولندا وبيلاروسيا بنسبة 15٪ و12٪. إلى ذلك تواصل الشركات الأوروبية في صناعات المصب للكيميائيات والمعادن والصلب والاسمدة خروجها من روسيا ومن الشراكات خارجها. وقالت الشركة النرويجية الدولية لإنتاج الأمونيا واليوريا، يارا، إنها توقفت عن توفير الإمدادات من جميع الشركات الروسية المرتبطة بعقوبات الاتحاد الأوروبي في 11 مارس. وقالت نتيجة للعقوبات التي فرضها الاتحاد الأوروبي على الأشخاص المرتبطين ببعض منتجي الأسمدة الروس، توقف يارا عن الحصول على مصادر من 4 شركات روسية رئيسة ومدد الاتحاد الأوروبي العقوبات ضد الأفراد والشركات الروسية في 9 مارس، وعين العديد من المديرين التنفيذيين للشركات في قطاعي الأسمدة والكيماويات. وكانت يارا قد خفضت بالفعل إنتاج الأسمدة في مصنعين أوروبيين بسبب ارتفاع أسعار الغاز. ومن المتوقع أن يصل إنتاج الأمونيا واليوريا إلى 45٪ في مصانعها فيرارا ولهافر في إيطاليا وفرنسا على التوالي. وتبلغ الطاقة الإجمالية للمصنعين مليون طن متري من الأمونيا و900 ألف طن متري من اليوريا. وتعتبر كل من روسياوأوكرانيا مصدرين رئيسيين للأمونيا والأسمدة، وقد أدى الغزو الروسي إلى تعطيل الأسواق العالمية. ومن المتوقع أن تؤدي خطوة يارا إلى زيادة اضطراب أسواق الأمونيا الأوروبية، التي فقدت صادرات البحر الأسود بسبب إغلاق ميناء وخط الأنابيب يوجني وسط الحرب في أوكرانيا. وكانت روسيا قد امنت عقود طويلة الامد للغاز مع حليفتها الصين قبل اندلاع الحرب وظفرت بصفقات منها عقد مدته 30 عامًا لتزويد الصين بالغاز عبر خط أنابيب جديد وستعمل على تسوية مبيعات الغاز الجديدة باليورو، مما يعزز تحالف الطاقة مع بكين وسط علاقات موسكو المتوترة مع الغرب بشأن أوكرانيا وقضايا أخرى. وقالت شركة روسية ومسؤول في الصناعة في بكين إن شركة غازبروم، التي تحتكر صادرات الغاز الروسي عبر خط الأنابيب، وافقت على إمداد شركة الطاقة الوطنية الصينية الكبرى بعشرة مليارات متر مكعب من الغاز سنويًا. وقال المصدر في تصريحات تلاها إعلان عن الصفقة من قبل جازبروم، إن التدفقات الأولى عبر خط الأنابيب، الذي سيربط منطقة الشرق الأقصى لروسيا بشمال شرق الصين، من المقرر أن تبدأ في غضون عامين إلى ثلاثة أعوام. وترسل روسيا بالفعل الغاز إلى الصين عبر خط أنابيب سيبيريا، الذي بدأ ضخ الإمدادات في عام 2019، وصدرت 16.5 مليار متر مكعب من الغاز إلى الصين في عام 2021. وبموجب الخطط الموضوعة من قبل، تهدف روسيا إلى إمداد الصين ب38 مليار متر مكعب من الغاز عبر خط الأنابيب بحلول عام 2025، والصفقة الجديدة، التي تزامنت مع زيارة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لدورة بكين الأولمبية الشتوية، ستضيف 10 مليار متر مكعب أخرى، مما يزيد مبيعات خطوط الأنابيب الروسية بموجب عقود طويلة الأجل إلى الصين.