قبل صلاة عصر يوم الأحد الخامس عشر من ذي الحجة للعام 1442ه بوقتٍ كافٍ توافدَ خلقٌ كثير على مسجد الملك خالد رحمه الله، كنتُ وأخي بندر بن سليمان الفالح من ضمن أولئك الحشود الغفيرة للصلاةِ على الفقيد الشيخ ثنيان بن فهد الثنيان، وتعزية ابنه البار أخينا فهد بن ثنيان. لم نتمكن من الوصول إليه لكثرة المعزّين والمتأثرين، كان المشهدُ بالغ التأثير، آثرنا التراجع من كثرة المصطفّين للتعزية، بقينا نرقبُ الموقف إلى أن أشار عليّ الأخ بندر أن نعاود المحاولة مرةً أخرى لعلّ وعسى من أن نتمكن من أداء واجب العزاء، وتحقق ذلك بعد لأي، أُقيمت الصلاة، وقُبيل الصلاة على المُتوفّى، ألقى معالي الشيخ سعد الشثري كلمةً أدمعت العيون وألانت القلوب، جمعت بين الموعظة والعِظة، وأثر فعل الخير بكافة أنواعه وطرقه، ما ظهر منه وما بطن؛ إذ أبان أن هذا الجمع الغفير وامتلاء المسجد على سعته من السمعة الحسنة وفعل الخير وأعمال القربات التي كان يقوم بها المتوفى رحمه الله، فالناسُ شهود الله في أرضه، وأُقيمَت الصلاة عليه ودُعيَ له، تسمعُ الشهيق يملأ أطراف المسجد، والدعاءُ بصوتٍ عالٍ، وحُمَل إلى مثواه الأخير، فامتلأت المقبرة من المشيعين، يحدوهم حُب المُتوفى، وأصبح الحزن يُخيّم على الجميع، دمعت العيون وامتلأت المحاجر والمُقَل وأصبح الترديد «إنا لله وإنا إليه راجعون». عرفت الشيخ المغفور له -بإذن الله- من خلال والدي معالي الشيخ سليمان بن عثمان الفالح في أوائل التسعينات الهجرية من القرن الماضي، كان فارعَ الطول، مُهابًا، جميلَ الملامح، أنيقًا في ملبسه، محبًا للثقافة، مهتمًا بالتاريخ، تشهد بذلك مكتبته العامرة التي في منزله؛ إذ يعرف محتوياتها، ويلخص كل كتاب، كان التاريخ شغفه وأنيسه، والشريعة والأدب خُلقه وسلوكه. كان ووالدي معالي الشيخ يتبادلان التقدير والاحترام، يُجلّان بعضهما بعضًا ويقدران بعضهما البعض، جمعتنا به لقاءاتٍ مع رفقاء وأصدقاء مشتركين، رحم الله ميتهم ومتّع الله حيهم بالصحة والعافية. كان المغفور له -بإّذن الله- الشيخ سعيد بن عبدالله السيّد من أولئك الذين لهم علاقات وطيدة وصداقات ممتدة، وكان جاره وصديقه في العمّارية، ونديمه، كان بينهما من اللطائف والحكايات والمداعبات ما ينبئُ عن الصداقة والأخوّة الحقّة، وغيره كُثُر؛ ومنهم الشيخ عبدالعزيز بن علي الشويعر والشيخ سليمان بن عبدالقادر المهيدب متّعهما الله بالصحة والعافية. كان باب المغفور له -بإذن الله- مُشرَعًا، يقول عن مجلسه معالي الشيخ سعد الشثري «كم استضاف هذا المجلس وكم حُلّت فيه من قضايا وكم تمّ فيه من إصلاح ذات البين، وكم شهد من أفعال الخير»، وبقيَ هذا الباب مفتوحًا للعزاء، وأصبح أشبه بالمهرجان الكبير، لا يُحصى المعزون، يتوافدون بالعشرات، وكان الابن البار فهد، مثالاً للتحمّل والصبر، يستقبل ويودّع، رغم ما يعتصره من ألم فراق أبيه، ولا غروَ في ذلك، فقد تعلّم ودرسَ في مدرسة أبيه المغفور له -بإذن الله-، منذ عرفته وهو ظل أبيه ومُتّكأه، وسمعه وبصره، كانا يتواجدان دائمًا وأبدًا في أفراح الناس وأتراحهم، وحينما أقعد الوالد المرض؛ ظلّ الابن فهد مكان أبيه، تجده حاضرًا في كل المناسبات العامة والخاصة، تعرفه بابتسامته وبلطفه وطيب معشره وحسن خَلقه وخُلقه، ولا عجبًا أن يشبه الليث شبله وحقٌ على ابن الصقر أن يشبه الصقرا. رحل المغفور له، وبقيت ذكراه الطيبة، فطوبى لك أيها المغفور له بإذن الله، ثنيان بن فهد الثنيان على ما دُعيَ لك، وما ذكرك به الذاكرون من أعمالٍ تجدها بإّذن الله أمامك، ومن محبة الناس لك، أن سمّوا أبناءهم باسمك؛ تيمنًا بمواقفك النبيلة ذات المروءة. فيحدثني زميلي الدكتور ثنيان النويعم، بأن أباه قد أسماه تيمنًا باسم صديقه ثنيان بن فهد الثنيان، ما كان هذا ليكون لولا صفاء الصداقة والأخوّة الحقّة. هنيئًا لك أيها الأخ الفاضل أبا ثنيان/ فهد بن ثنيان على صبرك واحتسابك ومحبة الناس لك ولوالدك ودعائهم لك وله، كانت أيام العزاء شاهدًا على المحبة الصادقة لك ولأبيك، رحم الله والدك وأعانك ووفقك وألهمك الصبر والسلوان أنت ووالدتك وأخواتك وأبناءك.