ظهرت جائحة كوفيد-19 جانبين من التقدم التكنولوجي، الأول إيجابي، وقد ساعد في توفير اللقاحات الآمنة والفعالة في وقت قياسي، ودعم الاقتصاد بأدوات الإنترنت للعمل من المنزل، كما أدى إلى تحسن رصد الأمراض، وتحسن الصحة العامة. وأضاف الكاتب الصحفي الفرنسي ليونيل لوران، في تحليل نشرته وكالة بلومبرغ للأنباء أن الجانب الثاني، هو الجانب السلبي الذي عزز حملات التضليل التي تشنها جهات مغرضة فاعلة، ونظم استبدادية، والذي عزز أيضا القرصنة والتشويش على الخصوم، كما زاد من الأضرار العامة، مثل تعرض أشخاص لهجمات من أجل طلب فدية، والاحتيال. هذه هي الحقيقة القاتمة التي يتعين على الغرب التصدي لها مع إعادة فتح الاقتصاد، وتشكل قمة مجموعة الدول السبع الصناعية الكبرى المقررة الشهر الجاري، توقيتا مثاليا لذلك. ولطالما صدرت تحذيرات العام الماضي من وقوع هجمات إلكترونية (سيبرانية)، ولكن حجم المشكلة ومدى انتشارها وصلا إلى آفاق جديدة، واتهمت الولاياتالمتحدة وأوروبا، الصينوروسيا بتصعيد حرب معلومات -ابتداء من نظريات المؤامرة المتعلقة بجائحة كوفيد-19، إلى نشر معلومات مضللة عن اللقاحات- وأيضا بالهجوم على أهداف غربية، في الوقت الذي تفرض فيه الدولتان مزيدا من القيود على حريات مواطنيهما. وقالت منظمة "فريدم هاوس" الأميركية، التي ذكرت العام الماضي إن نحو 75 % من سكان العالم يعيشون في دول تشهد تراجعا في الديموقراطية، إن الجائحة قد ألقت ب "ظلال رقمية". ويقول لوران إنه لا يوجد علاج سهل لهذه المشكلة، فروسيا، على سبيل المثال، تركت دولا مثل المملكة المتحدة في غضب شديد، وهي عاجزة عن ملاحقة مرتكبي الهجمات الإلكترونية. كما أن توجه موسكو وبكين نحو "السيادة" الرقمية، شجع نُظما ديكتاتورية أخرى، كما ظهر في إجبار بيلاروس طائرة ركاب شركة "ريان إير" الإيرلندية على الهبوط في مطار مينسك الأسبوع الماضي. وفي حرب المعلومات تكمن جذور هذه الأزمة التي أدت إلى صدع جديد بين الغرب ورئيس بيلاروس، الكساندر لوكاشينكو. وكان الهدف الظاهر للوكاشينكو من إجبار الطائرة على الهبوط هو الصحفي البيلاروسي المعارض رومان براتاسيفتش، الذي يبلغ من العمر 26 عاما، والذي يعيش في المنفى. وبراتاسيفتش هو رئيس التحرير السابق لقناة نيكستا، التي تعمل من خلال تطبيق المراسلة، "تليغرام". ويشير التحليل إلى نمط من التصعيد؛ ففي الشهر الماضي، بعد أيام من اعتقال أجهزة الأمن في روسيا اثنين من بيلاروس واتهامهما بالتخطيط لتنظيم ثورة، قالت مينسك إنها أحبطت "انقلابا" كان يجرى الإعداد له عبر تطبيق زووم لاجتماعات الفيديو. وكانت السلطات في بيلاروس حجبت العديد من المواقع الإلكترونية وفرضت قيودا على الإنترنت منذ إعادة انتخاب لوكاشينكو في أغسطس الماضي. وكانت الانتخابات مثيرة للجدل، ورأى الاتحاد الأوروبي أنها لا تتسم بالحرية أو النزاهة. وتبعث حادثة "ريان إير" برسالة مفادها، أن من ينتقدون مينسك عبر الإنترنت، ليسوا في مأمن حيثما كانوا، حتى ولو في المنفى. ويتفق هذا مع عقلية الحصار الدؤوبة التي يتسم بها لوكاشينكو، حيث يتصدى لتهديد حرب "هجين"، عبر الإنترنت وغيره، وهو يفترض أن الغرب يشن هذه الحرب ضده. ويقول لوران إن صياغة استراتيجية لمواجهة ذلك، تتطلب القفز على لغة الماضي بشأن الدفاع عن "حرية الإنترنت". وتستحق الأحداث التي تدور بشأن بيلاروس الرد عليها، بما هو أبعد من العقوبات الضرورية، كما يتعين على الاتحاد الأوروبي وأميركا إظهار مزيد من التضامن مع المجتمع المدني في بيلاروس (والصحفيين في الخارج مثل براتاسيفتش) عبر مزيد من الدعم والتمويل. وتقول المستشارة في مجال المخاطر السياسية، كاتيا جلود: إن الإعلام المستقل يحتاج إلى دعم من أجل مواجهة الغرامات التي لا تتوقف، والتصدي للمعلومات المضللة، وأيضا لإطلاق مواقع إلكترونية بديلة. وقال تاديوز جيكزان، رئيس التحرير الحالي لنيكستا، لصحيفة "نيو ستيتسمان" البريطانية، إن محاولات جمع أموال عبر المنح لم تفلح في الماضي، وهو ما أدى إلى ظهور صعوبات مالية. كما أن وجود المزيد من الموارد لتعزيز الثقافة الرقمية من شأنه أيضا أن يقدم مساعدة. وتقول الصحفية هانَّا ليوباكوفا، من بيلاروس، إن الإعلام المستقل سوف يستفيد من وجود المزيد من الأدوات لمكافحة الرقابة، وسواء كان ذلك من خلال شبكات افتراضية خاصة، أو مواقع إلكترونية متطابقة (وهي وسيلة لتكرار نفس المحتوى عبر خادم ونطاق مختلفين، من أجل التحايل على الحجب)، أو عبر أي أدوات أخرى. كما يتعين على الغرب تعزيز الجهود لتقويض الفاعلين المغرضين عبر الإنترنت، وفي نفس الوقت لدعم الفاعلين الإيجابيين. ويعني هذا مزيدا من الحرص من أجل ضمان عدم تصدير تكنولوجيا الرقابة إلى النظم القمعية. وقد عطلت حكومة لوكاشينكو في بيلاروس معظم خدمات الإنترنت خلال الاحتجاجات على إعادة انتخاب الرئيس الصيف الماضي، باستخدام تكنولوجيا من إنتاج شركة "ساندفاين" الأميركية. وألغت الشركة في نهاية المطاف صفقتها مع بيلاروس، ولكن فقط بعدما فضحت وكالة بلومبرغ للأنباء الأمر. وقد تم استخدام آليات "ساندفاين" لفرض رقابة على الإنترنت في أكثر من عشر دول خلال الأعوام الأخيرة. ويرى الكاتب لوران إنه يتعين على مجموعة الدول السبع الصناعية الكبرى تحديد المشتبه بهم من مجرمي الهجمات الإلكترونية، وفضحهم، وأيضا التهديد بالرد على الدول التي ترفض باستمرار معاقبة هؤلاء. ويجب على المجموعة توفير مزيد من الموارد لمراقبة أسواق الإنترنت المظلم، المجهولة، حيث تزدهر الجريمة كخدمات يتم تقديمها، وأيضا تجار التضليل فيما يتعلق بكوفيد-19، بدعم من عملات مشفرة وأسماء مستعارة. وتعد شبكة "تور"، التي تخفي هويتها، من أفضل الأدوات المستخدمة ضد الرقابة، ولها استخدام مزودج، حيث إنها تستضيف الأسواق التي تتسم بالإجرام، وأيضا الأنشطة المشروعة التي تريد أن تهرب من أعين المتطفلين. وعرض الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في العام 2014 أكثر من 100 ألف دولار لمن يستطيع أن يكشف هويتها من أجل الوصول لمعارضين سياسيين، ولكن سعيه قوبل بالرفض. وتُتهم جهات أميركية (وكالات تابعة للحكومة الأميركية) بتمويل شبكة "تور". وأظهر بحث أعده إيريك جاردين، من جامعة "فيكتورا تيك" البحثية، كيف تتجمع أوجه الاستفادة من "تور" بشكل غير متناسب في دول لا تعد حرة، أو حرة بشكل جزئي، في حين تتجمع أضرارها في الدول الديموقراطية. وفي نهاية التحليل، حذر لوران من أنه إذا لم تضع الديموقراطيات الليبرالية استراتيجية متناسقة ليستفيد منها الفاعلون الإيجابيون، مع الإضرار بالفاعلين المغرضين، سوف تستمر "الظلال الرقمية" التي ألقت بها الجائحة طويلا.