جاءت تصريحات البطريرك الماروني الأخيرة لتكون السيف القاطع الذي يحاول أن يضع حدا لمن يغتالون لبنان. لذا لم يكن الأمر مستغربا على أي شخص يتمزق قلبه ويشرد عقله في محاولة انتشال لبنان من مستنقع انهياره الحالي أن يشاهد الهوس العقلي واللوثة الفكرية التي انتابت حزب الله عند تلقيه هذه التصريحات الشجاعة من الرئيس الروحي للطائفة المارونية. قال غبطة البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي الآتي: "لا تسكتوا عن تعدد الولاءات، عن الفساد وسلب أموالكم، لا تسكتوا عن الحدود السائبة، عن فشل الطبقة السياسية وعن الخيارات الفاضحة والانحياز، لا تسكتوا عن فوضى التحقيق في تفجير المرفأ وعن تسييس القضاء، ولا تسكتوا عن السلاح غير الشرعي وغير اللبناني، ولا تسكتوا عن عدم تشكيل الحكومة، لا تسكتوا عن توطين الفلسطينيين ودمج اللاجئين السوريين، لا تسكتوا عن سجن الأبرياء وإطلاق المذنبين، وعن دم شهدائنا." وعلى الفور شن حزب الله متمثلاً في محطة تليفزيون "قناة العالم" هجوماً على تصريحات البطريرك الراعي، واعتبر موقفه نابعا عن رغبة في التطبيع مع إسرائيل، وحيث إن مستوى الحوار متدن من قبل حزب الله وإعلامه، فعلى أي رأي راجح يجادلهم أو يحاورهم بل يقوم بتفنيد مزاعمهم الواحدة تلو الأخرى. أولا إن البطريرك الماروني تحدث عن مشكلات لبنان ولم يكن حديثه عن بدء التطبيع بين لبنان وإسرائيل. ثانيا أن ما قاله الزعيم الديني أمر يعبر عن مشاعر وأحاسيس الأغلبية العظمى من الشعب اللبناني بغض النظر عن الانتماء الديني أو الطائفي. لذا لم يكن من المستغرب أن تنطلق بيانات وشعارات التأييد لما قاله. ثالثاً، إن هذا الاعلان يمثل لب مشكلات لبنان، وإنه يلخص مآسي لبنان الحالية. فاذا تم إصلاح تلك الأمور التي ذكرها الراعي لاصطلح حال الكل: اللبنانيون والسوريون والفلسطينيون. ثالثاً: إن التصريحات التي أطلقها البطريرك الراعي لها سوابق عدة أبرزها ما قاله سلفه البطريرك مار نصر الله بطرس صفير الذي دعى مراراً إلى إنهاء الوجود السوري في لبنان وأن يكون الجيش اللبناني الجهة التي تحمل السلاح فقط واصفاً امتلاك حزب الله للسلاح بأنه "حالة شاذة." ويجدر بالإشارة أن الأب الراعي كان قد صرح من قبل شهور عدة لموقع "الفاتيكان نيوز"، بأنه: "يوجد نوع من هيمنة حزب الله (المدعوم إيرانيا) على الحكومة والسياسة اللبنانية، بسبب الدخول في حروب وتحالفات عربية ودولية". وأضاف: "هذا الأمر (تصرف حزب الله) خلق أزمة سياسية كبيرة أثمرت أزمة اقتصادية ومالية حادة للغاية". وذكر أيضاً أن "لبنان اليوم متروك من الدول العربية لا سيما دول الخليج، إضافة إلى الدول الأوروبية والولايات المتحدة، وهم يقولون إنهم لا يستطيعون مساعدة لبنان بسبب هيمنة حزب الله". من الطبيعي أن يخشى حزب الله تصريحات الكاردينال بشارة الراعي لأنها تفضحه وتعبر عن قومية لبنانية أصلية. ومن الأكيد أن ما قاله الراعي أمر يقلق إيران لأنها ترسيخ قوي لهوية لبنان العربية، بعيداً عن القومية الفارسية المجوسية. إن ايران وعملاءها يخشون المؤتمر الدولي المقترح بخصوص لبنان لأنه سيفضحهم ويبين للعالم بأسره جرائمهم فى هذا البلد. لا يمكن اتهام البطريرك الماروني بشارة الراعي بالطائفية لأنه دائماً يدعو إلى الوحدة الوطنية ويسعى جاهداً إلى إقامة علاقات طيبة بين المسلمين والمسيحيين. وبصفة عامة فإن مسيحيي لبنان يقدرون الدور التاريخي الذي لعبته المملكة العربية السعودية في إنهاء الحرب الأهلية اللبنانية عندما عقدت مؤتمر الطائف عام 1989 والذي أسفر عن وقف نزيف الدم اللبناني فى حرب أهلية طاحنة، وعلى العكس إيران وحزب الله يريدان إشعال الحرب الأهلية في لبنان مرة أخرى. الكاردينال الراعي يؤكد على استقلال لبنان وعلى احترام هيبة الدولة في لبنان وعلى ضرورة إنهاء أزمات لبنان السياسية المتكررة بالإضافة إلى تأكيده بأنه لا سيادة لطائفة على طائفة أخرى. يسعى البطريرك لدرء الفتن وإلى إنهاء حالة الفوضى التي سببها الوجود الإيراني في لبنان. ويطرح السؤال نفسه: كيف يمكن جعل تلك التصريحات الرائدة نتائج هامة لتقليص نفوذ النظام الإيراني؟ والجواب أنه يتوقف الأمر على مدى الاستجابة السريعة والإيجابية لما قاله الزعيم الديني اللبناني. يجب الإسراع في عقد مؤتمر دولي حول لبنان، وعلى المغتربين اللبنانيين التكاتف سوياً من أجل فضح جرائم إيران وحزب الله في لبنان، في صيحة دولية تطلق للتضامن مع التصريحات الأخيرة المطالبة بخلاص لبنان من استغلال إيران له. تصريحات البطريرك الماروني هي غيرة شديدة على لبنان تهدف إلى إصلاح نظام الطائفية السياسية عن طريق الفصل بين الزعامة السياسية والقيادة الدينية. لعل الخطوة القادمة تكمن في مطالبة إيران وحزب الله بدفع تعويضات عن الخسائر التي تكبدها لبنان والشعب اللبناني عن جرائمهم بحقه.