لا أحد يعرف إن كان "وليام تيل" بطلا حقيقيا أو بطلا أسطوريا ابتكره الخيال الشعبي السويسري، لتنسب له بطولات خارقة انتهت باستقلال سويسرا عن إمبراطورية النّمسا، لكنّنا نعرف أشهر حكاية تروى عنه وفق الأسطورة التي تناقلتها شعوب العالم منذ بداية القرن الخامس عشر، والتي تحكي أن المأمور الإمبراطوري هرمان جيسلر نصب عمودا في ساحة الزيزفون بمدينة آلتدورف واضعا عليه قبّعته وألزم السكان على الانحناء أمامه، كما لو كان حاضرا بالفعل، لكنّ وليام تيل أصرّ على تجاهل العمود الذي يعتمر القبعة، فثار جيسلر، وقرر الانتقام منه، بوضع تفاحة على رأس ابنه والتر، وأمره بإصابتها بسهمه، وإن فشل تم إعدامه، أصاب تيل التفاحة وشطرها نصفين، ولكنه أخفى سهما ثانيا تحت قميصه وحين سئل لماذا، أجاب بصدق أنّه حضّره ليصوبه نحو قلب المأمور في حال أخطأ إصابة التفاحة. يقال إن هذه الواقعة حدثت في الثامن عشر من نوفمبر في العام 1307، وقد ألهمت الفئات الشعبية للتمرد على دوقات سويسرا، ولكنّها ألهمت كثيرين أيضا فأعادوا كتابتها وصياغتها بما يناسب أعمار القراء وجنسياتهم. كتبت للأطفال والأشبال والكبار، وقدمت على شكل مسلسلات كرتونية وأخرى درامية، كما قدمت على شكل أوبرا عشرات المرات، وعولجت دراميا للتلفزيون والسينما عدة مرات أيضا. أحب أطفال سويسرا والعالم كله وليام تيل، وشهدت مسارح مدارسهم عروض أسطورته لمرّات لا حصر لها، ولا أحد على مدى أجيال قام بتصرف غبي ومجنون مقلِّدًا تيل إلاّ الكاتب الأميركي وليام سيوورد بروز الذي أطلق النّار على رأس زوجته خلال رحلة إلى المكسيك خريف 1951، وخلال محاكمته عادت إلى الأذهان أسطورة تيل، لكن بشكلها المأساوي، وقد احتار القضاء حينها من المجنون هو أم زوجته التي قبلت بوضع تفاحة على رأسها وتسليم نفسها لمسدس زوجها دون أدنى خوف من اهتزاز يده خاصة أنّه كان مخمورا، فحكمت عليه بعدة أشهر سجنا تلاه إطلاق سراح. وإذا كانت حادثة تيل قد صنعت منه بطلا أسطوريا، فإنّ حادثة بروز حوّلت حياته إلى جحيم، فأغرقته في عالم المخدرات والمهلوسات، وهام على وجهه في محاولة يائسة للهروب من نفسه بحثا عن مخدّر نادر يحرره من أثقاله الداخلية، فسافر وعاش في أميركا اللاتينية وفي شمال أفريقيا، حتى أنه استقرّ في طنجة لبعض الوقت، أين جمعته علاقة جيدة مع مواطنه الكاتب بول بولز، لكنّه بالغ في التوغل في عالم الحشائش المهلوسة حتى بلغ حافّة الموت، فسافر إلى لندن للعلاج، ومن هناك تغيّرت حياته وأخذت منحى مختلفا تماما، دون أن يشفى تماما من تقلاّبته المزاجية. كثيرون وصفوه بالكاتب الممسوس بالعبقرية، بعد أن أنجز أعمالا كثيرة خرجت للعلن بعد موته، لكن الحديث عنه لا بد أن يقودنا إلى الحزن عليه لأنّ أسطورة تيل ألهمته بجريمة عمره.