لم يتوقف مسلسل الجرائم والانتهاكات الحوثية حتى صارت الميليشيا المدعومة من إيران تشكل جريمة مُتحركة، تتناسل منها جرائم وانتهاكات فظيعة، تنمو باستمرار، وتزداد توحشاً ووحشية، مستخدمة كل وسائل وأساليب الانحطاط في نهجها الإجرامي. وواصلت الميليشيا ممارسة كل صنوف الانتهاكات وارتكاب أفعال ترقى إلى جرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب، تشمل قتل المدنيين واغتصاب النساء، وتجنيد الفتيات المراهقات في مهام تجسسية لصالح الجماعة، واستمرار تجنيد الأطفال والزج بهم في أعمالها القتالية، فضلاً عن جرائم التهجير القسري وتنفيذ حملات اعتقال تعسفية وإخفاء قسري للمعارضين للانقلاب. تلك خلاصة توصل إليها فريق الخبراء الدوليين البارزين التابع للأمم المتحدة (GEE)، في تقريره الثالث، مسلطاً الضوء على جانب من الجرائم والانتهاكات المرئية التي تمكن أعضاء الفريق من رصدها من رغم العراقيل التي وضعتها الميليشيا أمامه وعدم سماحها لأعضائه بزيارة المناطق الواقعة تحت سيطرتها، مع الإشارة إلى أن التقرير لم يتعمق في رصد الجرائم غير المرئية التي تُمارس يوميا بحق اليمنيين، وعلى نحو خاص في المناطق الواقعة تحت احتلال الحوثيين الذين حولوها إلى سجن كبير، وسكانها إلى رهينة بيد الميليشيا. وبالنظر إلى الانتهاكات والجرائم المرئية التي رصدها ووثقها فريق الخبراء الدوليين البارزين وذكرها في تقريره للفترة بين يوليو 2019 ويونيو 2020، يمكن الوصول إلى استنتاج مفاده أن الميليشيا لم تترك انتهاكا أو جريمة إلا وفعلتها. بل إنها صارت تتفنن في أساليب التعذيب والإذلال وإيذاء الناس والمعارضين، وأبدعت في توظيف كل الوسائل لخدمة الجريمة المنظمة والجسيمة، بما في ذلك القضاء الذي حولته من رمز للعدل ليصبح أداة للظلم والانتهاك، وحارساً للمجرمين ومُشرعناً للجريمة. فعلى سبيل المثال، يذكر تقرير فريق الخبراء الدوليين البارزين أن الميليشيا استخدمت المحكمة الجزائية المتخصصة في صنعاء، كأداة لقمع المعارضة وترهيب المعارضين السياسيين، وتنمية رأس المال السياسي لاستخدامه في المفاوضات. كما واصلت الميليشيا ارتكاب جرائم القتل وقنص الأطفال والنساء والمدنيين في مدينة تعز ومناطق أخرى. بالإضافة إلى الاعتداء على الكرامة الشخصية والاستمرار بممارسة الاعتقال التعسفي والإخفاء القسري، وتجنيد الأطفال والزج بهم في عمليات قتالية. وقال التقرير: "الحوثيون جندوا صبية لا تتجاوز أعمارهم سبع سنوات من خلال الحوافز المالية والتجنيد من قبل أقرانهم والتلقين العقائدي". مسلطا الضوء على تعرض جيل من أطفال اليمن لأضرار لا حد لها من خلال تجنيد الأطفال وإساءة المعاملة والحرمان من أبسط حقوقهم، بما في ذلك التعليم. ثمة انتهاكات مُذلة استمرت ميليشيا الحوثي في ممارستها وفقا لتقرير فريق الخبراء الدوليين، وهي انتهاكات يتجنب اليمنيون ذكرها بدافع الخجل، ولاعتبارات وحساسيات مرتبطة بالتقاليد والأعراف اليمنية. غير أن الحوثيين لم يضعوا أي قيمة لتلك الاعتبارات والأعراف والحساسيات اليمنية، وارتكبوا جرائم بحق النساء تعدت كل الخطوط والأعراف والتقاليد والقيم الأخلاقية والإنسانية والدينية، إذ يؤكد التقرير، أن الميليشيا واصلت اغتصاب العديد من النساء واحتجازهن في أماكن سرية في صنعاء، كما أنها جندت مراهقات للتجسس. وشدد التقرير على امتلاكه أدلة تثبت أن الميليشيا جندت 34 مراهقة بين يونيو 2015 ويونيو 2020، لاستخدامهن في التجسس. كما جندوا أطفالا، وحراسا، ومسعفين، وأعضاء في كتيبة الزينبيات. مشيرا إلى أن 12 من هؤلاء الفتيات نجين من العنف الجنسي، والزواج القسري والمبكر. ويعكس التقرير الدولي في مجمله طبيعة النظرة الدولية للوضع في اليمن باعتبارها صارت أرضاً مُعذبةً، مهشّما شعبها بطرق صادمة للضمير الإنساني جراء استفحال الحرب الانقلابية الدموية التي أشعلتها الميليشيا لفرض مشروعها وخدمة للمصالح الإيرانية. غير أن ثمة انتقادات وجهها حقوقيون وسياسيون لمنهجية تقرير فريق الخبراء ومحاولته مساواة الحكومة الشرعية ووضعها في موازاة الميليشيات الانقلابية، إضافة إلى اعتماده على معلومات حوثية بشأن بعض الضربات الجوية لطيران التحالف العربي. وتشير الانتقادات الموجهة للفريق إلى أنه اعتمد لغة عامة وتعميمية في تسليطه الضوء على المأساة اليمنية الناجمة عن الحرب الحوثية، دون أن يحدد نطاق وحجم المسؤولية، كما أنه لم يضع الانتهاكات والجرائم والمأساة الإنسانية في سياقاها وأسبابها التسلسلية، إذ إن كل جريمة تحدث، وانتهاك يُرتكب، وتدهور في الأوضاع المعيشية والخدمية، ليس سوى امتداد ونتيجة للحرب الانقلابية الدموية في سبتمبر 2014 وسطو الميليشيا على مؤسسات الدولة واجتياح العاصمة صنعاء، وما تلا ذلك من حروب انتقامية شنتها لإذلال وتركيع المجتمعات المحلية. تلك عوامل وأسباب ودوافع تجنب فريق الخبراء الدوليين البارزين التذكير بها وربط الانتهاكات والجرائم اليومية بها. وذهب للالتزام بالمنهجية التي تترجم الجرائم الجسيمة والمآسي الإنسانية إلى لغة باردة وخالية من المسؤولية الإجرائية. ويقول اليمنيون: إن تلك اللغة التي اعتمدها التقرير تتقن في توصيف معاناة الضحايا والأعراض، لكنها في الوقت نفسه تتعمد تجاهل الأسباب وتتفادى مطالبة مجلس الأمن باتخاذ الإجراءات الرادعة المنصوص عليها في القانون الدولي ولوائح وأنظمة المؤسسة الدولية.