نجحت قيادة المملكة الحكيمة في توفير الوسائل التقنية البديلة عن كافة البدائل السابقة المعتادة في الجهات الحكومية للحد من انتشار فيروس كورونا، لترسم خطاً منهجياً حفزت أبناء الشعب السعودي للإبداع بالتعامل الإلكتروني، ليكون التعلم عن بعد ليس محل تجربة فقط مع هذه الجائحة، بل أساسياً في الفترة ما بعد كورونا، خاصة بأن الوسائل التقنية أثبتت تفاعلها السريع مع المتطلبات هذه الأزمة، والتي قدمت من خلالها المملكة الغالي والنفيس من أجل شعبها وكل من يقيم على أرضها، فرغم أن جائحة كورونا كارثة إلا أن نهج المملكة مع الفيروس كسب تغييرات هامة فوائدها ستستمر حتى ما بعد كورونا. وقال أستاذ تقنية المعلومات في جامعة الملك سعود د. عبدالرحمن المطرف ل «الرياض»: لعبت التقنية دور جباراً في التحول الرقمي الهائل والمفاجئ، حين أصدرت القيادة الرشيدة توجيهاتها لجميع قطاعات الدولة بإيقاف كافة أشكال التواصل المباشر بين الناس، فكان التعليم بكافة مستوياته المستهدف الأكبر لتفعيل هذا القرار الحكيم تطبيقاً لمبدأ من مبادئ الوقاية المجتمعية وتحقيق مفهوم: «التباعد الاجتماعي»، فالتعليم _ ولا شك _ هو أكبر تجمع بشري في أماكن محددة في المملكة، حيث تجاوز عدد المتعلمين في المملكة الستة ملايين، وبلغ عدد المعلمين قرابة ست مائة ألف في قرابة الخمسة والثلاثين ألف مدرسة في كافة مناطق المملكة، ويليهم الموظفون في كافة القطاعات الأخرى بما يقارب المليون والنصف مليون موظف، وأضاف لو نعود للتاريخ ومن منتصف السبعينات الميلادية كانت المملكة قد وضعت في خططها التنموية واستراتيجياتها المستقبلية عدداً من البرامج والمبادرات والمشروعات التي تهدف إلى تحقيق التحول الرقمي و»التعاملات الالكترونية»، حيث يستطيع الراصد لواقع استخدامات التقنية في مجالات الحياة المختلفة الجزم بأن ليس هناك دولة في المنطقة - كالمملكة - سخرت الجهود والإمكانات العالية لخدمة مفاهيم وتطبيقات التحولات الرقمية، فكان الدعم سخي للغاية من حيث القرارات المحفزة والميزانيات الداعمة، وخلال عقود مضت كانت رحلة التعاملات «من الورقية إلى الرقمية» رحلة شاقة ومضنية كلفت الجهد والمال، وقد تحقق - بفضل الله - العديد من النجاحات التي يمكن الإشارة إليها بفخر في خدمة أهداف برامج ومبادرات التحول الرقمي، منها وزارة الداخلية - على سبيل المثال لا الحصر - ممثلة بمركز المعلومات الوطني تعتبر نواة التحول الرقمي السعودي الأولى من حيث الخدمات والتعاملات الإليكترونية التي ننعم بها اليوم بشكل سهل وميسر، فمن منا اليوم لا يعرف تطبيقات وخدمات «أبشر»؟ بل من منا اليوم يستطيع الاستغناء عن هذه الخدمات والتطبيقات، وأجزم بمعرفة الإجابات مسبقاً، وأعتقد أن الجميع يتفقون على أن الحياة مع بالتقنية أسهل وأفضل وأسرع وأوفر، لذا لن يقبل أحد منا الرجوع إلى عالم ما قبل التحول الرقمي، وتابع المطرف ولما أصدرت وزارة التعليم - كغيرها من قطاعات الدولة الأخرى - توجيهاتها بإيقاف التعليم في المدارس وكافة أشكال التواصل المجتمعي المباشر في الجامعات والمعاهد والمكاتب، كان لا بد من إيجاد حلول تعليمية بديلة، حيث إن من الصعب جداً ترك المتعلمين لمدة غير معلومة دون تعليم، وتبع هذا القرار توجيهات معالي الوزير بالتحول المباشر للتعلم الإلكتروني والتعليم عن بعد، يكاد الجميع حينها الجزم بأن كارثة تعليمية كانت سوف تقع بسبب إيقاف التعليم في المدارس والجامعات والمعاهد، لكن ما شهدناه من التحول الهائل والكبير من أنماط التعليم التقليدية إلى نموذج التعلم الإلكتروني والتعليم عن بعد كان التحول السهل اليسير الذي أذهل المتابعين والمهتمين بالتقنية والتعليم على حد سواء، فقد انتقل ملايين المتعلمين والمعلمين والموظفين إلى بيئة عمل وتعليم عن بعد بشكل ميسر ولطيف، واستمر الجميع في رباط العمل والتعليم من المنازل حين تم التوجيه بضرورة البقاء في المنازل وتحقيق مفهوم «التباعد الاجتماعي» حفاظاً على سلامة المجتمع من آثار وباء كورونا، اللافت للنظر ليس فقط في تقبل التوجيهات وتنفيذها بشكل دقيق بل سرعة التحول الرقمي الذي كان فرسانه المواطن والمعلم والموظف حين، وهنا يبرز عدد من التساؤلات المنطقية، أبرزها هي، هل نجحت المملكة في الاستثمار لعقود في أبواب التقنية ومجالاتها المختلفة، وهل كان المواطن السعودي تقنياً مؤهلاً بما يكفي للتعامل مع المرحلة بشكل إيجابي، وهل كانت البنية التقنية التحتية في المملكة كافية لاستيعاب متطلبات هذه المرحلة الحرجة، وغير ذلك من التساؤلات الأخرى ذات الصلة، مشيراً إلى أنه كونه متخصصاً حيال هذه الاستفسارات بأن النجاح كان نتيجة الاستثمارات الضخمة القديمة المتجددة، فالمملكة نجحت في الاستثمار في البنية التحتية لتقنية المعلومات والاتصالات، فاصبحنا نمتلك بنية تحتية تقنية متقدمة، ساهمت هذه البنية إيجابياً في دعم هذه المرحلة، كذلك أثبت المواطن في هذه الأزمة قدرته الفائقة على التعامل مع التقنية بشكل عالي المهنية، وقد يكون أن جاهزية معظم الجهات الحكومية من حيث الأنظمة والتطبيقات والخدمات الإلكترونية ساهمت بشكل كبير في نقل الأعمال والتعليم بيسر وسهولة إلى البيئة الرقمية، مؤكداً بأن العمل سيتواصل ولا بد من ذلك للاستفادة من هذه الجائحة للعمل على تطوير بنية تقنية رقمية ذات جدوى وفاعلية، لأنها برامج التحول الرقمي تشهد دعماً كبيراً من خلال رؤية المملكة «2030 «، وذلك من أجل رفع مستوى الجاهزية في المجال التقني، وكذلك مجال التطبيقات والبرمجيات التعليمية المناسبة، لافتاً بأن لا بد من تفعيل دور المبادرات والبرامج النوعية في مجالات بناء المحتوى الرقمي بكافة أشكاله وتطبيقاته، مبيناً بأن المملكة لا تزال تعيش واقعاً استثنائياً تحت تأثير كورونا «كوفيد 19»، ومن أجل الحفاظ على صحة وسلامة الوطن والمواطن تم اتخاذ حزمة من التدابير اللازمة، ومنها إيقاف كافة أشكال التواصل المجتمعي والمباشر واستبداله ب «التباعد الاجتماعي»، وكذلك تم الاعتماد على التقنية بشكل كامل من أجل تسيير الأعمال وقضاء حوائج الناس وحاجاتهم، والمتابع للشأن السعودي يجزم أن المملكة نجحت في التعاطي مع التقنية كخيار بديل لتلبية كافة الاحتياجات الاجتماعية والتعليمية والتجارية وغيرها، مؤكداً بأن أحد أهم مكاسب المرحلة التي تم تحقيقها كان «التحول الرقمي» القسري للمجتمع السعودي في وقت قياسي وقصير جداً، كما ينبغي رصد هذه التجربة بشكل علمي شامل وكامل بهدف المحافظة على مكتسباتها وتعميم الجوانب الإيجابية له، وكذلك تعزيز بقاء الجهات ولو بنسب مختلفة من تقديم عدد الخدمات الإلكترونية من خلال التطبيقات والأنظمة المتاحة، ولعل من المناسب الإشارة أهمية الاستثمار في مناحي وجوانب بناء وتطوير التطبيقات والمحتوى الرقمي المناسب. د. عبدالرحمن المطرف