مع تزايد عودة اقتصادات العالم بعد تخفيف قيود الإغلاق على إثر تراجع تفشي كورونا، وانتعاش الطلب على البنزين، إلا أن أكثر المخاوف ما فتئت تنبثق من تداعيات بطء انتعاش النفط مع بدء التخفيضات الكبرى للإنتاج من تحالف أوبك+ وبالأخص من المملكة بإجمالي خفض ملزم وطوعي -4,7 ملايين برميل في اليوم، وما يشكله ذلك من تهديد لسبل نفاد الصناعة من سعات التخزين إذا استمرت أزمة كورونا، حسبما يقول الخبراء. ومن المتوقع أن يسجل الطلب العالمي على النفط رقماً قياسياً من الانخفاض في العام الجاري 2020 حيث أدى تفشي الفيروس التاجي إلى شل صناعة الطيران والشحن وخفض استخدام السيارات بشكل كبير. فيما صاحبت وفرة النفط انخفاضا كبيرا في أسعار براميل البترول، وهو ما يعني عودة حميدة للبنزين بأسعار أرخص عما كانت قبل الأزمة بكثير. وانخفض الطلب على النفط في مايو بمقدار 8.6 ملايين برميل يومياً، ما أدى إلى وفرة في جميع أنحاء العالم، مع أن هذا الرقم يظل مرتفعاً بزيادة 690 ألف برميل يوميا مقارنة بأبريل، ما يعني زيادة انخفاض الطلب بالرغم من معاودة معظم أعمال العالم، أو ما يعني إنتاج كميات ضخمة من النفط الخام تضخ لمكان لا تصله، وفقاً لمراقبي الشحن. وقال هنري بيري المدير التنفيذي لشركة تريستون لآبار النفط بولاية كانساس "ترسو عشرات ناقلات النفط الكاملة قبالة سواحل أيرلندا وسنغافورة وكاليفورنيا وأماكن أخرى". مضيفاً وبشكل أساسي، إن هناك سعة تخزينية عالمية تقدر بنحو سبع مليارات برميل من النفط، وقال إن الطاقة الإنتاجية كانت 60 % في منتصف أبريل 2020، في حين "إذا استمر الوضع الحالي الناجم عن الفيروس التاجي إلى أجل غير مسمى، فعندئذٍ ستأتي اللحظة الوشيكة بأن يكون هناك مكان لتخزين النفط". ويمكن مشاهدة رتل من ناقلات النفط بعدد 27 سفينة عملاقة ترسو قبالة الشاطئ أثناء تفشي كورونا من طائرة هليكوبتر تابعة لخفر السواحل الأميركي بالقرب من لونج بيتش، كاليفورنيا. لكنه قال إن بعض الدول مثل الصين، وإيطاليا، وكوريا الجنوبية أفادت بأنها تجاوزت أسوأ جائحة وأن الحكومات ترفع الحظر ببطء. وانهارت العديد من شركات إنتاج النفط، بينما توصلت المملكة العربية السعودية وروسيا إلى اتفاق تاريخي بشأن خفض الإنتاج، ما أدت جميعها إلى تقلص كبير في كميات البترول المنتجة في العالم. وتنبأ بيري: "إذا كان الأمر كذلك، فسنشهد ارتفاعًا في أسعار النفط حتى يلتحق العالم بالعرض مرة أخرى لإعطاء توازن طبيعي بين الإنتاج وسعر النفط". بينما نبهت وكالة الطاقة الدولية بالرغم من بدء الانتعاش الاقتصادي التدريجي الهش، لا تزال هناك شكوك كبيرة وأبرزها ما إذا كان يمكن للحكومات تخفيف إجراءات الإغلاق دون إثارة عودة تفشي الجانحة. وقال بيري إن الطلب في الهند، خامس اقتصاد في العالم والمستهلك الرئيس للنفط، انخفض بنسبة 70 %، وهو ما يعادل نحو 3.1 ملايين برميل يوميا لكنه قال إن الهند بدأت الآن في تخفيف الإغلاقات، وانخفضت أسعار البنزين إلى أقل من جنيه استرليني واحد في المملكة المتحدة وأقل من دولارين أميركي في الولاياتالمتحدة. وقد أصاب الانخفاض الكبير في الطلب الصناعة التي كانت تشهد أعدادا متزايدة من العملاء يغربون عنها بسبب حالة الطوارئ المناخية والتحول إلى مصادر الطاقة الخضراء. في وقت يتزايد الطلب على السيارات الكهربائية والهيدروجينية وتعهدت العديد من شركات السيارات بالتخلص التدريجي من سيارات البنزين والديزل. في حين أن شركات النفط والغاز الكبرى يمكن أن ترى الحاجة إلى تغيير خططها المتوسطة إلى طويلة الأجل، إلا أن القليل منها كان على استعداد لهذا الانخفاض الكبير في الطلب على المدى القصير. وحول مدى سهولة تشغيل وإيقاف إنتاج النفط مع الأخذ في الاعتبار وضع الآبار المضغوطة وإمكانية تغطيتها ثم فتحها، أوضح بيري بأن هذا سيعتمد إلى حد كبير على ظروف مختلفة، بما في ذلك نوع وعمق الآبار. وكلما زاد حجم وعمق البئر، زادت أعمال الحفر من تكاليف التشغيل اليومية. وإذا كان سعر النفط أقل من نقطة التعادل لكل برميل، فقد يكون سد البئر هو الخيار الوحيد، أما إذا كان السعر موجودًا أو حول نقطة التعادل، يمكن للمرء أن يفكر في ضبط عبوة المضخة على جهاز توقيت للإنتاج في أوقات وفترات معينة من اليوم لتقليل الإنتاج مؤقتًا، بحسب هنري بيري. استطاعت شركة تريستون لآبار النفط التي تشارك في صناعة النفط الأميركية، الاستفادة من التباطؤ في السوق. وعلق بيري بقوله "في حين أن الوضع الحالي بعيد كل البعد عن كونه مثاليًا بالنسبة لنا جميعاً، إلا أننا في وضع يسمح لنا ليس فقط مصارعة البقاء، ولكن الاستفادة من تراجع النفط المنخفض". كما قال إن الشركة تضع نصب عينها عقود إيجار أصغر وأقل عمقًا وأقل تكلفة، في حين تمتاز آبار النفط لدى الشركة بسعر تعادل أقل للبرميل من معظم الشركات الأكبر حجماً ذات الآبار العميقة والمساحة الأكبر من النفقات العامة. أما على المدى الطويل، فيقول بيري إن التحول إلى الطاقة المتجددة قد يكون مستحيلاً بالنسبة للدول الأكثر فقراً في العالم. وقال "إن التحويل إلى طاقة الرياح والطاقة الشمسية والمائية سيكون مكلفًا ومن المحتمل أن تنتقل التكاليف إلى المستهلك، وهذه الممارسة بعيدة بعض الشيء عن الواقع حيث سيكون النفط والغاز في حالة من الطلب المتنامي لسنين عديدة.