لا شيء أكثر من الأزمات الصحية يكشف واقع الخدمات الطبية في بلدان العالم، دول أوروبية وولايات أميركية طالما كانت قبلة للمرضى والباحثين عن آخر وأحدث العلاجات.. انكشفت خلال تداعيات انتشار فيروس كورونا (الصيني).. الصيني لأن الصين بلا أدنى شك تتحمل جزءاً من جائحة هذا المرض الذي أصاب الناس، وضرب الاقتصاد في أصقاع الأرض. في المملكة أكبر نجاح يمكن أن يكون قيماً إدارياً وصحياً.. هو التصدي المبكر من خلال حزمة إجراءات مبكرة، وتشكيل لجنة وزارية عليا برئاسة وزير الصحة، ضمت جميع الجهات المعنية، فضلاً عن القرارات الجريئة في هذا الشأن وصولاً إلى الحجر الجزئي، الذي ضرب فيه المواطن والمقيم مثالاً مميزاً للالتزام. واقع المشهد الصحي هو المهم هنا وهو المحك الحقيقي.. انظر إلى توزيع الإصابة بالفيروس في أوروبا، ستجد أن ألمانيا التي تقع في مراتب متقدمة من حيث حجم الإصابة على مستوى العالم، هي الأقل في حجم الوفيات على الإطلاق - عكس إيران مثلاً - التي تأتي بالمرتبة الثانية بحجم الوفيات، رغم أن الإصابات بإيران في مراكز متأخرة بعد أوروبا. صحيح أن الوعي مهم خاصة في أزمة كورونا، الوعي الذي تسبب في بقاء الناس في منازلهم، وتعطل كثير من مكونات الاقتصاد.. إلا أن النظام الصحي ركن رئيس في محاصرة المرض، والأهم العناية بالمرضى وعلاجهم بالأدوية المُدعمة.. لكن لماذا تفوقت ألمانيا على غيرها من البلدان؟ تعتبر ألمانيا من أكثر الدول تقدماً في المجال الطبي من ناحية التشخيص والعلاج.. ويعود ذلك لتعدد الكفاءات العالية من أساتذة الطب على المستوى العالمي، بالإضافة إلى الكوادر المدربين، وتوفر آخر ما توصلت إليه التكنولوجيا في هذا المجال؛ خاصة - وهو المهم - ضمن المستشفيات الجامعية في المدن والقرى التي تضم أيضاً مراكز للبحث العلمي والتعليم، يُدرس فيها الطب من قبل الأساتذة (الأطباء المتخصصين) في الأمراض المستعصية والصعبة على المستشفيات العادية، فضلاً عن مستوى احترافية الأجهزة التمريضية، والطبية المساعدة.. ووفقاً لقراءات متعددة فإن أسباب نجاح المستشفيات الجامعية الألمانية يعود لكونها غير تجارية وعادة ما تمول من الولاية نفسها أو المدينة الموجودة فيها أو من خلال متبرعين، مما يضمن الاستقلالية المالية، بالإضافة إلى خبرة الأساتذة المتخصصين من الأطباء ودقة التشخيص والتوثيق ووجود التقنيات الحديثة. حسناً كيف يمكن أن نستفيد من هذه التجربة المهمة للنظام الصحي الألماني؟ غير مرة أوضحت أن دور الجامعات يتجاوز أن تكون مقرات ومباني ومعلمين ك(التعليم العام) لتخريج الطلاب والطالبات.. وإنما يمتد إلى أن تكون مقرات للتنوير العلمي، وخدمة المجتمع، ودراسة مشكلاته، والمساهمة الفاعلة في تحمل جزء من الدور التنموي لقطاعات حكومية، منها الصحة.. عندما تتبنى تلك الجامعات الحكومية من خلال كليات الطب المنتشرة في جميع مدن المملكة لتأسيس مستشفيات جامعية، تخدم سكان تلك المدن، وتدعم القطاع الصحي الحكومي، اعتماداً على وجود (الكفاءات) من أعضاء هيئة التدريس في تلك الكليات.. هنا نحقق جملة من الأهداف، التوفير في الإنفاق الصحي، والجودة العالمية على اعتبار أن أعضاء هيئة التدريس في الطب هم في الأصل ممارسون للطب، إضافة إلى استقطاب وتعليم وتوظيف عدد كبير من أبناء وبنات تلك المدن في قطاعات التمريض، والطب المساعد، والأقسام الإدارية.. فضلاً عن الأبحاث العلمية الطبية للأمراض التي يمكن أن تظهر في تلك المدينة أو المنطقة. أربعة مستشفيات جامعية في الرياض، والخبر، وجدة تحتاج إلى تعميم في المدن التي تضم كليات للطب.. وهو توجه ينسجم مع توجهات رؤية 2030 في تخصيص القطاع الصحي بالتزامن مع الإنفاق عليه، ورفع جودته في نفس الوقت.. في ألمانيا حيث تجربة النجاح.. هناك أكثر من 35 مستشفى جامعياً.