في عام 1787م كُتب الدستور الأميركي في مدينة فلادلفيا بولاية بنسلفانيا، ليحدد الإطار العام لعمل الحكومة من حيث الهيكل وكيفية صناعة القرار، خصصت أول ثلاث فقرات من الدستور لتحديد مهام فروع الحكومة الثلاثة: الكونغرس -بمجلسيه الشيوخ والنواب- يملك صلاحية التشريع وصياغة القوانين، والمصادقة على الاتفاقيات الدولية ومشروعات الدولة، مثل: مشروع الميزانية، والنظام الصحي، وكذلك المصادقة على تعيينات الرئيس داخل الفرع التنفيذي، مثل الوزراء، بالإضافة إلى دوره الرقابي على أداء الفرع التنفيذي، وصلاحية محاسبتهم ومحاكمتهم وعزلهم -بما في ذلك الرئيس- متى ما ثبت عليهم جريمة فيدرالية، كخيانة الأمانة، أو رشوة، أو إساءة استخدام السلطة، أو إعاقة العدالة. أما الفرع التنفيذي المعني بإدارة الحكومة فمن اختصاص رئيس الدولة، أما القضاء بطبيعة الحال تحت مظلة المحكمة العليا. تعمل هذه الأفرع الثلاثة في منظومة أريد لها أن تضمن تحقيق الضبط والتوازن للنفوذ والصلاحيات داخل الولاياتالمتحدة الأميركية. كما ذكرنا أن الكونغرس الأميركي ينقسم إلى مجلسين: مجلس النواب، ومجلس الشيوخ، وكل منهما له أدوار وصلاحيات محددة تكمل بعضها البعض، بما في ذلك محاكمة وعزل أعضاء الفرع التنفيذي، وفي مقدمتهم رئيس الدولة. مجلس النواب يملك صلاحية توجيه التهمة، وفتح تحقيق -متى ما وجد تجاوزاً يعد جريمة فيدرالية من قبل الرئيس- وذلك بالتصويت على جمع وفحص الوثائق واستدعاء الشهود، وأخذ إفاداتهم خلال جلسات مفتوحة من قبل عدة لجان أو لجنة واحدة، وفي حال تمخض عن هذا التحقيق توجيه تهمة أو أكثر فإنها تعرض على اللجنة القضائية داخل مجلس النواب، التي بدورها تتفحص الأدلة وتستعرض شهادات الشهود، وقد تستدعي شهوداً إضافيين، وفي حال اقتنعت اللجنة ببنود الاتهام يتم التصويت عليها من قبل أعضاء اللجنة الواحد والأربعين، ومن ثم عرضها على مجلس النواب للتصويت العام. هذه المرحلة لا تستوجب مثول الرئيس أمام مجلس النواب أو أي من لجانه. في حال أن مجلس النواب صوّت بالأغلبية تحال بنود المساءلة إلى مجلس الشيوخ الذي بدوره إما أن يصوّت على عدم إجراء محاكمة ورفض القضية؛ لأسباب تتعلق بضعف بنود المساءلة وهذا يتطلب أغلبية ضئيلة فقط أي (51) صوت من أصل (100). أما الخيار الآخر وهو الأصل: الشروع بإجراء محاكمة؛ وذلك يتطلب النظر في إفادات الشهود واستدعاء الوثائق المتعلقة بالقضية، بالإضافة إلى إتاحة الفرصة للرئيس للدفاع عن نفسه ضد المدعي العام (أي مجلس النواب في هذا المقام). أما أعضاء مجلس الشيوخ فهم بمثابة هيئة المحلفين الذين لا يحق لهم التحدث خلال المحاكمة. وهذا الإجراء يتم بقيادة رئيس المحكمة العليا الذي يقوم باعتماد الأدلة، والمصادقة على إفادات الشهود. من حيث مدة المحاكمة فقد تستغرق من أسبوعين حتى ستة أسابيع (كما حدث في محاكمة بيل كلينتون). في تاريخ السياسة الأميركية، تمت محاكمة رئيسين فقط هما: أندرو جونسون، وبيل كلينتون، لكن تمت تبرئتهما كليهما في مجلس الشيوخ. أما في حالة الرئيس ريتشارد نيكسون فقد فضل الاستقالة من منصبه قبل أن يصوت مجلس النواب على مواد الاتهام وإقرار التحقيق. وفقاً لهذا التاريخ لم يحدث قط أن مجلس الشيوخ اتخذ قراراً بعزل أي رئيس لأميركا من قبل.! هذه الحقيقة تساهم فيها عدة عوامل، منها: الإجراءات المعقدة التي نص عليها الدستور، ومن أهمها: اشتراط تصويت ثلثي مجلس الشيوخ: (أي 67 من أصل 100) لعزل الرئيس، ومنها كذلك ماهو غير مكتوب ويختفي بين الأسطر والحروف، له تأثير يتفوق على السلطات الثلاث مجتمعة، وله اليد الطولى في تحديد مصير الرئيس! وقد كان العامل الأهم في انسحاب نيكسون من أرض المعركة، وتقديم استقالته بعد ضغط حزبه!. هذا العامل لا يتسنى لنا ذكره في هذا التقرير وسوف نلقي الضوء عليه بالتفصيل في تقرير لاحق خاص بإمكانية عزل ترمب.