بعيدًا عن الانتماءات العقائدية لهذه النماذج المقيتة، إلا أنهم يشتركون جميعًا في إهدار حق الحياة التي منحها الله لخلقه حقًا أصيلًا لحكمته في تنوع الخلق، ويحتكرون الإيمان في أنفسهم فقط، وكأنهم ضمنيًا يوزعون صفوف التكفير على غيرهم، وبالتالي استباحتهم.. هل يختلف قاسم سليماني قائد ما يسمى «فيلق القدس» بالحرس الثوري الإيراني، الذي لقي حتفه في ضربة جوية أميركية بالعراق، مؤخرًا، عن أبي بكر البغدادي، وقبله أبو مصعب الزرقاوي، زعيمي تنظيم داعش الإرهابي، وقبلهما أسامة بن لادن، زعيم تنظيم القاعدة، الذين قتلوا جميعًا بغارات أميركية طالت رؤوس الإرهاب المجرم في العالم؟ بالتأكيد.. لا فرق بينهم سوى أنهم جميعًا يحملون وجه الإرهاب الطائفي المقيت، المحسوب ظلمًا على الإسلام، الذي لا يتورع عن قتل الأبرياء، ويستبيح أرواحهم ودماءهم، ويقطع رؤوسهم، ويسبي نساءهم، والكارثة أنهم يدعون ذلك الإجرام تقربًا لله ورسوله.! هذا رغم أن ابن لادن والزرقاوي والبغدادي كانوا يحملون راية تنظيم، فيما سليماني يحمل أجندة إرهاب الدولة بملاليها ومرشدها وحرسها وأذرعها الميليشياوية المنتشرة في أماكن عدة. مع الأسف، كل هذه النماذج الإرهابية ليست إلا الوجه القبيح المعلن للأيديولوجيات الإرهابية المتخندقة وراء الدين، كما غيرهم نماذج أخرى هي الأخطر، لا تزال مستترة في الخفاء، تمارس أدوارها الشريرة بأدوات ومزاعم مختلفة، يتغولون بها على عقولنا، ويعبثون في أفكارنا، يستلبون حقوقنا البسيطة في العيش بكنف الإنسانية، ويمارسون التهديد والترويع والقتل البطيء، ناشرين ثقافة تخريب الأوطان وتدمير الوجود البشري والتراث الإنساني. بعيدًا عن الانتماءات العقائدية لهذه النماذج المقيتة، إلا أنهم يشتركون جميعًا في إهدار حق الحياة التي منحها الله لخلقه حقًا أصيلًا لحكمته في تنوع الخلق، ويحتكرون الإيمان في أنفسهم فقط، وكأنهم ضمنيًا يوزعون صفوف التكفير على غيرهم، وبالتالي استباحتهم. سليماني، موظف البلدية السابق في إحدى شركات المياه الإيرانية قبل عقود، الذي قتل مع مجموعة من الإرهابيين بالعراق، تحول في غضون سنوات بسيطة إلى واجهة مخيفة لإرهاب الدولة الممنهج، في ظل حكومة العمائم والملالي في طهران باسم الجمهورية الإسلامية قبل أن يبزغ نجم جرائمه بعد نجاحه في القضاء على المظاهرات ضد نظام ولاية الفقيه قبل أعوام شرقي إيران بشكل وحشي لم يفَرّق فيها بين طفل وامرأة وشيخ كبير. فقد نكّل بكل من وقع تحت يده، وبات عصًا غليظة لنظام الملالي، ليصبح بعدها اللاعب الرئيس لتشكيل تنظيمات مُوالية لنظامه؛ كحزب الله اللبناني والحشد الشعبي بالعراق، أو من يسمون أنفسهم أنصار الله «الحوثيين» في اليمن.. دون أن ننسى أصابعه العبثية في عديد من دول منطقتنا الخليجية. ضربة اصطياد سليماني لا تقل أهمية عن اصطياد بقية الثعالب الإرهابية، وإن كانت تفوقهم جميعًا؛ لأنه ضربة موجعة لثقافة الهيمنة والحلم الإمبراطوري الفاشي، بمثل ما هي أيضًا قطع لعنق إحدى أذرع الإرهاب الطويلة في المنطقة، التي كثيرًا ما عاثت فسادًا، وولغت في دماء شعوبنا العربية في العراق وسورية واليمن، وكانت تتعامل بنظرية الاستباحة والاستحلال الكاملين.. ربما ما جرى في العراق العزيز من تظاهرات شعبية فرحًا بمقتله خير مثال على حجم الجرائم المرتكبة بإمرته مباشرة، كما أنها رد قاطع على أعوانها وذيولها هناك بشكل أو بآخر. وهنا، ربما أزعم أن إسقاط سليماني وبهذا الشكل وبهذه الطريقة في العراق تحديدًا مسرح عبثه الأكبر، ما هو إلا سقوط مريع لنظرية الهيمنة الإيرانية التي تعشش في أذهان مجموعة المغيبين عقليًا في منظومة إدارة الحكم في طهران وعمائمها في قم، كما أنه أيضًا فشل ذريع لنظرية «اليد الطولى» التي تعتمدها إيران، وكان سليماني أحد أبرز وجوهها القميئة في المنطقة، خاصة في العراق وسورية، عدا لبنان واليمن كذلك. إيران الطائفية الآن في محنة حقيقية، لا تختلف كثيرًا عن محن كل التنظيمات الإرهابية ك»القاعدة» و»داعش» و»الإخوان» التي تشترك معها في فكر الهيمنة التوسعي وإن كانت تختلف في العقيدة ولا تدرك أن جموع الشعوب التي باتت تتبجح في الاستحواذ على أربع عواصم عربية، باتت ترفضها في العراقولبنان واليمن وسورية، ليس هذا فقط، بل تحاصر أجندتها الكريهة، مثلما شعوب أخرى حاصرت التنظيمات الإرهابية ذاتها وجففت منابعها بشكل أو بآخر في المنطقة. السؤال الذي علينا أن نبحث عنه وبجدية الآن: إذا كان العالم قد نجح في التخلص من رموز الإرهاب الإسلاموي الوقحة والمتبجحة في الشرق الأوسط، فماذا عن ذيول الأفاعي المختبئة في خنادق التيه بأفكارها القذرة بيننا؟ هل ننتظر ليخرج علينا زرقاوي أو بغدادي أو سليماني آخر؟ أخيرًا، ما يعنينا نحن أن كل من تطاول على هذه البلاد، واستعرض عضلاته اللسانية عليها، واستهدف أمنها واستقرارها، قد بات عبرة لمن يعتبرون، وما أكثرهم حولنا!.