ما إن يقبل العيد إلاّ وتبدأ أجهزة الجوال في استقبال رسائل التهاني، التي لا تتعدى كونها «نسخا» و»لصقا»، فمثلاً صديقك يُرسل لك تهنئة سبق أن أرسلها شقيقك، والفارق بينهما هو في اسم المرسل فقط!. مشاعر «معلبة» تتنقل عبر أجهزة التواصل لا طعم لها ولا رائحة، بل لا تأثير لها في القلب، وهو ما يدعونا إلى مراجعة النفس فيما نمارسه من أفعال لا يمكن من خلالها أن نُحقق التواصل الصحيح مع أقاربنا، أو أصدقائنا، أو حتى من يعزون علينا. أحدهم يقول: «في الماضي كان إذا دخل وقت العيد لا ندع شخصاً في حارتنا إلاّ ونهنئه عبر لقاء أفراد الحي، كذلك أقاربنا، كنا نذهب إليهم ونقدم لهم التهنئة، بل إن هناك من (يتعنّى) للوصول إلينا، كل ذلك ليبرهن لنا على (غلاتنا)»، ويضيف: «كانت للعيد فرحة لا نشعر بها في الوقت الحالي، لقد قتلت رسائل الجوال المشاعر، وجعلتها محصورة في بعض الكلمات المكررة، التي لا يمكن أن (يفز) لها القلب»، مُنهياً حديثه: «يا ليت ترجع ذيك الأيام». وعلى الرغم من أهمية «التكنولوجيا» والأجهزة الحديثة ومواقع التواصل الاجتماعي، إلاّ أن تأثيرها السلبي بدا واضحاً في الأعوام الأخيرة، فالأم عندما تسأل ابنها: «يا ولدي، كلمت خالك وباركت له في العيد؟»، يقول الابن: «أرسلت له رسالة!»، وكذلك الأب عندما يقول لأبنائه: «اليوم أبغاكم تروحون معي لعمكم نسلم عليه ونهنيه بالعيد»، يرفض الأبناء ذلك ويقولون: «رسايل الجوال تكفي!»، وعندما تُفتش وتبحث في المبررات تجد أن التعلق بالأجهزة ومعايشة العالم الافتراضي هي من جعلتهم لا يحبذون مرافقة والدهم، ليبرز السؤال: «ماذا فعلتِ بنا أيتها التقنية؟». احرص في العيد على الذهاب بنفسك إلى كل قريب له حق عليك، أو أخ، أو صديق، لا تعتمد نهائياً على تلك الرسائل التي تصلك من كل اتجاه، جرّب أن تواجه من تُحب في العيد مباشرة ووجهاً لوجه، ستجد أنك أدخلت السعادة على قلبه وقلبك، وليكن شعارك: «لا للرسائل المُعلبة، نعم للزيارات واللقاءات». وأخيراً، قد يخالفني البعض الرأي ويقول: «برامج التواصل قرّبت القلوب رغم بُعد المسافات»، لأقول لهم: «نعم، قد يكون ذلك صحيحاً لمن اغترب عنّا، لكنها لا تنفع أبداً لمن يسكن جوارنا، والتي قد تجعله يتمادى في البُعد أكثر!».