يكتسب الموروث الثقافي قيمته من كونه مُنجَزاً إنسانياً يضاف ويقترن بالهويّة الحضارية للشعوب والأمم؛ حيث امتزاج الجغرافيا بالتاريخ. فضلاً عن القيمة الوجدانية والمزية ودلالتيهما العميقتين اللتين تأتيان استكمالاً للحالة الحضارية التي تعيشها تلك الشعوب وتمنحها الشعور بالثقة والاعتداد بالنفس باعتبار أن الإرث الحضاري والثقافي تأكيد وجودي وتاريخي يبعث على الفخر والوثوق بالقيمة والأثر والفاعلية. محافظة العلا، منذ أن انطلق قطار تطويرها وهي لا تني تعلن عن وجودها كفَنار ينطلق ضوءه الواهج والقويّ ليرشد قاصديها إلى مواطن العظمة والتاريخ وحضارة الإنسان الغابرة التي لا تقف عند تحقيب المراحل الإبداعية لإنسان أرضها؛ بل إنها تدعوه لمعانقة الجمال والدهشة وفراهة المكان وعبقرية الإنسان التي لا تزال تتوالى مُعلِنة عن مناطق بِكْر لم تطلها يدُ النسيان. شهدت محافظة العلا الفترة الماضية -ولا تزال تشهد- توافداً كبيراً من مختلف الأطياف والاهتمامات؛ يدفعهم في ذلك حبُّ الاستطلاع والمغامرة والرغبة في اقتناص الدهشة من حضارة الإنسان والمكان التي تكشف عن إبداع وعمق تفكير مشيِّدي حضارتها. ومنذ أن أُعلن عن باكورة التعاون مع شركات عالمية لتطوير العلا وبما يحقق الرؤية الطموحة للقيادة في حماية وتعزيز التراث الثقافي، وتعزيز المعرفة العلمية، وفتح طرق جديدة للسياحة المستدامة حول هذا الموقع الأثري الفريد؛ والعلا هي بؤرة الضوء والاهتمام والرغبة في الاكتشاف. إن هذا الاهتمام والحراك اللافتين يؤكدان على أهمية تراث العلا وقيمته التاريخية التي تجاوزت القيمة المادية والتاريخية لتنطلق إلى آفاق أرحب تعزّز من قيمتها كأماكن غدت جزءاً مهماً من قوة المملكة الناعمة، إذ هي موعودة بأن تُشكّل مورداً اقتصادياً مربحاً عبر الوفود السياحة التي ستقصدها ما سيؤدي بدوره إلى تنشيط حركة الاقتصاد في البلاد، ويساهم في فتح مجالات واعدة لتوظيف الشباب من الجنسين ومن ثم القضاء على البطالة؛ ونكون بذلك حققنا أنموذجاً حقيقياً لترسيخ أهمية اقتصاديات السياحة التي سيكون لها بلا شك التأثير الجلي في تعزيز موارد الدولة ورفع حجم اقتصادياتها بعد تحقيق جزء من الرؤية الطموحة التي يقودها سمو ولي العهد وتهدف إلى التخلّي عن الاقتصاد الريعي الذي سيغادر إلى غير رجعة مع تطبيق تلك الرؤية كما تم الإعداد لها وبما يتواءم مع الانطلاقات المذهلة التي تشهدها بلادنا بشكل غير مسبوق.