كتب السيرة الذاتية ليست بدعاً، أو حدثاً جديداً، فهي تعتبر عند كاتبيها وثائق تسجل مراحل حياتهم الشخصية والعامة والظروف التي توالت واختزنتها الذاكرة إما للعبرة أو للتوثيق، وهي في حقيقتها تنقل عن البعض التجارب الحياتية التي مر بها كاتبها، وكانت نقلات تجسد مراحل حياته بحلوها ومرها، فمن كانت مرة مريرة على طولها نفاها ولم يلتفت إليها، وأما إذا كانت بين هذا وذاك فإن البعض يحرص على تدوينها لتكون وسيلة لمن أراد أن يسلك طرق الحياة المتعرجة، وكيف يكون طريق النجاح الذي لا يجيء بسهولة ولكن التفكر والتدبر مع رسم الهدف المراد تحقيقه بالوصول إليه، وغالباً ما يختفي الهدف المراد فيؤدي إلى هدف آخر لم يكن في الحسبان، ومنه يحرص الكاتب على تبيان الوقائع والأحداث، وكيف كانت أسباب التقلبات، فمن كان هدفه أن يكون طبيباً ربما صار أديباً ومن كان يهدف أن يكون مهندساً صار طبيباً ومن الاختلافات في الوصول التي تجيء قسراً يكون التباين، وكل لما خلق له، ولكن المهم أن يكون النظر إلى الهدف. كنت كتبت في الحلقة السابقة عن كتاب «مشيناها/ حكايات ذات» للدكتور عبدالرحمن الشبيلي ولضيق المساحة المتاحة في صحيفة يومية لزاوية أسبوعية وعدت بأن أكمل في هذ المرة ما بدأت به، وهو أني كنت حريصاً على أن أقول: إن الشبيلي يعتبر موثقاً للإعلام السعودي بالدرجة الأعلى، فهو الأول في الحقيقة دون مراء؛ لكونه كما اتضح في كتابه بمناسبة المئوية للمملكة رصد بحرفية متقنة ودقة متناهية مسيرة الإعلام منذ نشأتها المتواضعة إلى حالها الراهن، وأقصد الإعلام عامة من إذاعة وتلفزيون وصحافة وتواصل، وكما في سيرته منذ نشأته شغفه وحبه للإعلام عشقاً وهواية. ليس في كتابه هذا وهو سيرة حياة منذ الكتاتيب إلى المدرسة ومواصلة الدراسة حتى الحصول على الشهادتين الجامعيتين، والماجستير والدكتوراه، والرحلات العلمية والتحصيل، مع هذا فالكتاب كتاريخ وثائقي للإعلام؛ لأن الكاتب عندما يتحدث عن موضوع له صلة بدراسته وعمله ويجيء ذكر الإعلام لأنه هو سيرته ومسيرته يسجل بالتاريخين الهجري والميلادي الواقعة ومختصراً عنها في صراحة تامة، وكان لمن عاشر عملاً وصداقة وقرابة أماكنهم الخاصة في نفسه حسب مقاييسه التي وزنهم بها، فأعود لأكرر أن د. عبدالرحمن الشبيلي بأعماله الكتابية التي عكف عليها سنوات وثّق بأمانة لما لم يوثق، وفي قدرته أن يواصل، وهو كذلك ليثبت أن صاحب الدار أدرى بما فيها، فهو إعلامي بالفطرة ثبتها وأرسى قواعدها بالدراسة للفن الإعلامي بلغة الإعلام، ولم يزل وهو قد وصل إلى ما وصل إليه من مراكز إعلامية وعلمية يهوى العمل في مجال هوايته موثقاً أميناً بارعاً. يشير بأمانة بكل صراحة: «حاولت أن تصور مرابع النشأة وبيئة الدراسة وظروف الزمن وأن تبوح بالممكن من المكنون في الصدر، فأبقت بعد ذلك طي الكتمان ما هو أكثر» فليس كل سيرة أو مذكرات تقول كل شيء حتى العظماء والكبار ممن كتبوا عن سيرهم وأوصوا بأن يكون نشرها بعد مماتهم لم يقولوا كل الأشياء؛ لأن لكل إنسان خفاياه الخاصة حتى إنه لو كان يقدر أن يخفيها عن ذاته لفعل، ولكنها جزء من الذات ومن المقدّر اللا مقدور عليه إلا من الخالق الأعظم سبحانه.