شهد المؤتمر الصحفي الذي أقيم في البيت الأبيض الأربعاء الماضي مشادة كلامية حادة بين الرئيس الأميركي دونالد ترمب والصحفي في قناة CNN جيم أكوستا. ترمب المعروف بخصومته الدائمة مع العديد من وسائل الإعلام هاجم أكوستا بكلام لاذع ووصفه أنه "شخص فض وسيئ للغاية" وأن قناة CNN يجب أن تشعر بالعار لوجود شخص مثله يعمل فيها. حقيقة الأمر أن الغضب الذي أظهره الرئيس الأميركي على أكوستا، ليس شخصياً، بل يتعداه إلى المؤسسة التي يعمل فيها وإلى العديد من المؤسسات الصحفية الأميركية التي يرى أنها لا تنقل الأخبار بحيادية. الرئيس الأميركي بدا مشحوناً بشكل كبير بعد الضخ الصحفي الهائل الذي صاحب الانتخابات النصفية، وبالتالي جاءت لحظة الانفجار في وجه أكوستا والقناة التي يعمل بها. المتابع لتغريدات ترمب يجده يتحدث كثيراً عن التضليل الإعلامي والظلم الذي يتعرض له من قبل المؤسسات الصحفية الكبرى، وترديده الدائم لعبارة "Fake news" أي "الأخبار المزيفة" هو بسبب سأمه من التناول المجحف (من وجهة نظره) الذي يلقاه من وسائل الإعلام ذات التوجهات اليسارية. ورغم شخصية الرئيس الأميركي المثيرة للجدل ورغم آرائه الحادة حول كثير من الملفات، إلا أن شكواه الدائمة من تضليل وسائل الإعلام تستحق التأمل والتحليل، فالواضح أن المؤسسات الصحفية في السنوات الأخيرة لم تعد تحترم القارئ عبر تقديم المادة له بكل حيادية وتجرد، ومنحه حرية الحكم النهائي دون أي ضغوطات، بل أصبح من الطبيعي أن يتأثر الخط الصحفي لمؤسسة ما بتوجهات صحفييها وقناعاتهم. ويظهر ذلك بوضوح في تركيز الوسيلة بشكل مكثف على حدث معين وصياغة المادة بأسلوب يتعمد التحكم في القارئ عبر كلمات مختارة بعناية للتأثير في رأي المتلقي. الحيادية والتجرد هي القيم التي لا يمكن أن يقوم دونها إعلام حر نزيه، وهي ما يميز بين الصحافة الرصينة وبين الأخبار التي ينتجها ويتناقلها مستخدمو وسائل التواصل الاجتماعي. وإذا ما استمرت وسائل الإعلام في نقل أخبار غير موثوقة عن "مصدر" مجهول، والتلاعب بالمتلقي وحقنه بتوجهاتها وبما تراه صحيحاً فستذوب مهنة الصحافة الرصينة في بحر الإعلام الجديد المليء بالأخبار الكاذبة والترهات، وستفقد السلطة الرابعة سلطتها، وسيكون إرثها النبيل الذي بنته على مدى عقود مجرد ذكرى وتاريخ جميل.