تطالعنا بين الفينة والأخرى، في وسائل التواصل الاجتماعي، تعليقات من قبل بعض أفراد المجتمع السعودي حول ما تشهده المملكة حالياً من انفتاح وتطور وإنجازات مبهرة تعتمد الأساليب الحديثة والرؤى الإستراتيجية والفكر السليم في التخطيط لمستقبل البلاد، وتتركّز تلك التعليقات على الاستهجان من بعض ملامح الانفتاح الأخيرة، وكأنّ علينا أن نظل محبوسين في حجرات الظلام. لقد سارت الوقائع على النقيض من تلك الأفكار المتطرفة المسجونة في وهم الخوف والتحوط، فمضى على السماح لقيادة المرأة أكثر من شهر ولم تسجل أية مؤشرات تدعم مخاوف وتحذيرات أولئك المتشددين الذين يعتمدون التخويف وسيلة لإرهاب المجتمع ومنعه من الالتحام في فلك الحداثة. شهد المجتمع السعودي، في الآونة الأخيرة، الكثير من منجزات الانفتاح الفكري ولم يحدث ما يُخلّ بقيم المجتمع أو سلامته، أو يعكّر صفو فرحه وابتهاجه، مع التسليم بأنّ أي انفتاح ثقافي قد يترافق مع أنماط من السلوك تشكل ردة فعل طبيعية تشد فضول الناس؛ كحادثة اقتحام فتاة المسرح أثناء حفل غنائي. الحدث طبيعي ويجري في كل أنحاء المعمورة، فلمَ العجب، ولماذا النفخ في القصة كما لو أنها كارثة. لا يستحق الحدث كلَّ ما أثير من حوله من صياح وصراخ وتهويل، فهو لا يعدو أن يكون لحظة انفعال من فتاة تجاه نجمها المفضل، وهذا طبيعي بالدول الأخرى، يحدث مع الكثير من الفنانين والمطربين والنجوم الذين يتدافع المعجبون لالتقاط الصور معهم أو أخذ تواقيعهم. وكثيراً ما رأينا في مباريات كرة القدم مشجعين يقتحمون كل الحراسات والحواجز ليصافحوا لاعبهم المفضل فوق المستطيل الأخضر. إنّ الحقيقة التي ينبغي إدراكها والإشارة إليها هي أنّ أي عملية انفتاح لابد أن يرافقها بعض الأعراض الجانبية غير القاتلة، مثلها مثل العقاقير الطبية التي وإن كانت مفيدة لجسم الإنسان وطبابته واستعادة عافيته وإعادة الأمل له، فقد يصاحبها بعض الأعراض الجانبية التي سرعان ما تتلاشى أمام عودة الروح، والتمتع بحياة أفضل وبنية سليمة. إثارة الجدل حول مثل هذه الأحداث الصغيرة، وتجاهل الجوانب المشرقة قد يكون له انعكاسات سلبية، خصوصاً ممن يتسمون بالصلف والانغلاق الفكري والعدمية، وينظرون لكل شيء جديد غير مألوف أو أجنبي من منطلق الحساسية المفرطة، والممانعة غير المنطقية ولا المبررة، وربما يتجاوز هؤلاء في قراءاتهم ومقارباتهم وشطحاتهم واقع هذه الأحداث وحقيقتها. ويلاحظ أنّ هؤلاء الذين يضعون أنفسهم في موقع المنافح عن قيم المجتمع، ينسون أو يتناسون أنّ المجتمع السعودي محصّنٌ بهويته، قويٌ بعقيدته، صلبٌ في بنيته، وتوّاق، رغم ذلك إلى مسايرة المجتمعات المتطورة الأخرى واللحاق بالركب الحضاري والانفتاح الثقافي، والانفكاك من عقد التقاليد الجافة. في المقابل لابدّ من الإشاره إلى بعض المحاولات التي يقوم بها بعض الشباب لعرض إبداعاتهم بطرق «فانتازية» تجلب الاستغراب أكثر مما تستحث الرضا، كما أنها تنافي الذائقة الفنية، وتتصادم مع قواعد العقل، وقد تقدم صورة عن السعوديين تتعارض مع سياقات مسيرة الانفتاح الثقافي والفكري التي تشهدها المملكة في تحولاتها البنيوية. نعيش هذه الأيام فورة من التفاؤل والأمل والتجدد في مناحي الحياة كافة، وتحرص القيادة الملهمة على الارتقاء بالمجتمع السعودي، والنهوض به لمعانقة النجوم، والالتحاق بقطار المستقبل من أجل إعمار الحياة الكريمة للمواطنين كافة، وفق رؤية ثابتة مدروسة ومتوازنة تنهل من معطيات العصر وتستشرف مفاهيم التنمية الحديثة، ما يجعلنا سعوديين معتصمين بتراثنا العظيم، ومنفتحين في الوقت ذاته على قيم الحداثة وإشراقاتها الملهمة. * كاتب ودبلوماسي سعودي سابق Your browser does not support the video tag.