لم يكن الظهور البلجيكي في مونديال روسيا 2018 والمنتهي أخيراً بتتويج منتخب فرنسا باللقب، ووصوله إلى الدور نصف النهائي، بعد أن كان على مقربة من الوصول إلى المباراة النهائية - وليد الصدفة كما يظن كثيرون؛ إذ يجد المتتبع للجيل الحالي في المنتخب "الأحمر"، أن ما شهده المونديال الروسي هو نتيجة عمل وخطة رسمها القائمون على كرة القدم هناك منذ فترة طويلة. الكرة البلجيكية لا تحظى بمكانة على الخريطة العالمية قبل العقد الحالي، كانت البداية مطلع القرن الجديد، عندما بدأ مشروع البحث عن طريقة لتطوير كرة القدم في البلاد، بعد تراجع مستويات اللاعبين الصغار، وتراجع أعداد الموهوبين أصلاً؛ فكانت كلمة السر لدى المدرب ميشيل سابلون، الذي صاغ خطة استراتيجية، وأهدافاً بعيدة المدى، تعتمد في المقام الأول على نشر اللعبة، وتوسيع قاعدة ممارسيها في المدارس أو ملاعب الكرة والأندية المحلية، فيما كانت الخطة تخضع لتقييم ومتابعة ومراقبة وتدخلات؛ لتحسين مخرجاتها دوريا. قام سابلون بزيارة عدد من الدول المتقدمة كرويًا، مثل ألمانيا وإسبانيا وفرنسا وهولندا؛ باحثاً عن نماذج قابلة للتطبيق في بلاده. لم تكن بلجيكا حينها من النخبة قارياً ودولياً، لكن ثمة بصيص أمل كانت تظهره منتخبات الفئات العمرية، وبالتوازي مع تلك الخطة كان هناك توجه إلى عدم إحداث أي تغيير جوهري في المنتخبات القائمة. كانت خطة سابلون ترتكز على ثلاثة عناصر: المنتخبات والأندية، ممارسة اللعب وتقوية المسابقات، وتطوير المدربين، ولأن المدرب المخضرم يملك ما يكفي من الخبرة الفنية، فقد أصر على تغيير الذهنية التكتيكية في بلاده، بالتخلي عن طريقة اللعب بثلاثة مدافعين إلى الأبد، وهو ما قوبل برفض معظم المدربين في الأندية، الذين اعتبروا ذلك تدخلاً في عملهم، وأنه ليس من شأنه، لكنه طالما ردد أن الأمر يتعلق بتحسين الجوانب التقنية لدى اللاعبين، ولا يرتبط بفوز أو خسارة وقتية. كما طلب سابلون من جامعة لوفان تسجيل 1500 من المباريات في مسابقات الفئات العمرية، وطلب من جامعة تابعة لجامعة بروكسل دراسة هيكلة الفرق السنية البلجيكية، للتعرف على نقاط القوة والضعف لدى اللاعبين الصغار، ووجد ذلك أيضاً ممانعة من قبل مدربي فرقهم، الذين اعتقدوا أن سابلون جاء بهذه الفكرة ليقيمهم، ويوصي بإبعادهم عن تدريب اللاعبين الصغار. طالب قائد هذا المشروع من المدربين أيضاً بتقليص عدد اللاعبين طبقاً لمساحات الملاعب، لزيادة القدرات الذهنية، والقدرة على التحكم والتصرف في الكرة، والتحرك بلا كرة في مساحات ضيقة وواسعة. بعد عام 2010، بدأت تتحسن صورة الكرة البلجيكية، وتصعد بعض الأسماء، وتشارك بصورة متزايدة في أقوى بطولات الدوري في العالم، ونجح المنتخب في الصعود شيئاً فشيئاً في التصنيف الدولي بفضل تحسن نتائجه اللافت، حتى وصل إلى المرتبة الثانية في التصنيف الدولي الذي يصدره "فيفا" شهريا. البداية كانت عبر فنينسينت كومباني، الذي يعتبر أحد أكبر لاعبي المنتخب بعمر لم يصل إلى ال28 من خلال بوابة مانشستر سيتي، ثم مروان فيلايني وإيدن هازارد، ليلتحق بهم كيفين دي بروين، والحارس تيبوت كورتوا ورومويلو لوكاكو. لم تعط الصحافة البلجيكية الأمر اهتماماً كبيراً، ولم يعمل سابلون تحت الضغط وأضواء الإعلام، لكن بعض الصحافيين البلجيكيين كانوا يراقبون المشهد من بعيد، وفي عام 2003 بدأ العمل يجذب الصحافيين، الذين سعوا إلى معرفة ما يجري في مطبخ الكرة في بلادهم، وسلطوا الضوء على فرق البراعم الذين وصفوه ب"الشياطين"، حتى تنبأ كثيرون بأن الكرة البلجيكية ستقدم نفسها بشكل رائع في مونديال 2014، وهو ما حدث على الرغم من الخروج أمام الأرجنتين في الدور ربع النهائي ليأتي مونديال العام الحالي بالأخبار السارة. الصحف البلجيكية تنبأت بنجومية اللاعبين الصغار Your browser does not support the video tag.