قبل أن أتوقف عن الكتابة في مواضيع الإعجاز العلمي انتقدني أحدهم بعنوان يقول: جراءة الصحفيين على تفسير القرآن الكريم.. وبمجرد قراءتي للعنوان لم أستبشر خيرا.. أولاً؛ لأنه استعمل صيغة الجمع وحشر معي كافة «الصحفيين» في مسألة لا تخصهم.. وثانياً، لأنني لست صحفياً ولا أرقى لهذا المستوى... لم تكن المرة الأولى التي أصادف فيها من لا يعرف الفرق بين الصحفي والكاتب.. فالصحفي مهني محترف يبحث عن الخبر ويقدمه للناس بحيادية وتجرد.. يصيغ التقارير ويجري المقابلات ويضطر أحيانا للنزول للميدان لمتابعة وتوثيق الحدث.. أما الكاتب فإنسان مٌنظر يتحدث أحيانا من برج عاجي وأحيانا من مكتب خشبي.. يفكر بصوت مرتفع ويقدم تصوره الخاص ولا يكون بالضرورة محايدا (لأنه يصعب أن تكون محايدا حين تقدم رأيك الشخصي في مسألة تهم الجميع)... حين يتخبط الصحفي فهذا دليل على عدم الحرفية والمهنية - أو ربما دخوله عالم الصحافة من نافذة الرياضة أو الإعلانات أو حتى العلاقات العامة.. وحين يتخبط الكاتب (أو يتقلب بشكل دوري) فهذا دليل تناقض وعدم تبني رسالة حقيقية - أو ببساطة دخوله لهذا المجال من باب الشهرة والاستعراض فقط.. يمكنك تمييز الكاتب الأصيل من خلال ثباته على المنهج (حتى وإن قال صراحة إنه غير رأيه في هذه المسألة أو تلك) واستمراره بنفس المستوى لسنوات طويلة (لأن الواسطة والمحسوبية قد تساعدك في الظهور لمرة أو مرتين ولكن يستحيل الاستمرار دون موهبة حقيقية أو خط فكري مميز)... الثقافة والخبرة والإبداع ليست فقط من مقومات الكاتب الناجح، بل من العناصر الضرورية لأي كاتب.. فالكاتب بمثابة معلم في أكبر فصل قد يتسع لكافة أطياف المجتمع. فإن لم تكن مثقفا لدرجة تسمح لك بمخاطبة الجميع، أو تملك خبرة يتعلم منها الجميع، أو متخصصا في شأن لا يعرفه الجميع، أو قادرا على إبداع ما لم يتوقعه الجميع، سيكتشف الجميع أنك مجرد متفيهق يضحك منه الجميع... وبطبيعة الحال؛ لا أنصح أي كاتب ادعاء هذه المواهب لنفسه.. لا يجب أن يلعب دور الأستاذ أو الموجه أو الواعظ؛ بل يكتفي بالتفكير بصوت مسموع تاركا الحكم عليه للقراء والمتابعين.. لا أنصحك (أنت) أن تشغل بالك بامتلاكك لهذه المواهب (أو كيف تكتب) بل هل تملك شيئاً يستحق إطلاع الناس عليه؟.. إن كنت تملك ما يستحق الكتابة وإطلاع الناس يصبح السؤال التالي هو: إلى متى ستستمر بنفس المستوى!؟. Your browser does not support the video tag.