تشهد المملكة العربية السعودية اليوم وفي عهد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز -حفظه الله- وولي عهده الأمين صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان تحولاً وطنياً إيجابياً على كافة الأصعدة السياسية والاقتصادية والاجتماعية. ويأتي هذا التحول كنوع من استجابة الدول للتأقلم مع معطيات العصر المختلفة التي تعيش فيها. حيث تقاس قوة الدول ونجاحها بقدرتها على تحديث نفسها وبعدها عن الجمود. وما يهمنا هنا هو التحول الاجتماعي نحو الانفتاح والرغبة في الحياة والعطاء وعلاقة كل ذلك بذاكرتنا التاريخية، وهو موضوع على درجة كبيرة من الأهمية. لا أشك إطلاقاً في رغبة القيادة -حفظها الله- نحو الانتقال بالإنسان السعودي نحو آفاق جديدة من العطاء واعتناق الحياة والانخراط في البناء سواء على مستوى الوطن أو على مستوى الحضارة الإنسانية. ولا أشك كذلك في أن هذه الرغبة موجودة لدى الإنسان السعودي كما توجد لديه القدرة -ولله الحمد- على تحقيق كل ذلك. إلا أن الإشكالية من وجهة نظري تقع في محاولات البعض تصوير مثل هذا التحول على أنه انقلاب على ثوابت الوطن سواء أكان هذا البعض من أعداء الوطن الخارجيين (قناة الجزيرة أنموذجاً) أو من المتشددين غير القادرين على إدراك أهمية هذه التحولات من الناحية التاريخية. وهنا تأتي أهمية معالجة الذاكرة التاريخية. فكما تتشكل الذاكرة الإنسانية على المستوى الفردي تتشكل الذاكرة التاريخية على المستوى الجمعي. وتكتنز هذه الذاكرة على مر التاريخ الوطني الكثير من الجوانب الإيجابية والكثير من الجوانب السلبية. وتكمن الخطورة في اختزال هذا المكتنز الجمعي في الجانب السلبي بمختلف مظاهره كالتشدد الديني والتطرف ومحاربة التقدم وإقصاء الآخر.. الخ، وتزداد هذه الخطورة عندما يكون مكتنز الذاكرة التاريخية الوطنية ليس وطنياً كله. وأعني هنا عندما ينظر البعض إلى التاريخ بمفهومه الأممي الأكبر من الوطني على أنه هو ذاكرته وثوابته التي يجب ألا يحيد عنها. وهنا يذوب حملة مثل هذه الذاكرة التاريخية خارج حدود الوطن، ويصبحون يسبحون خارج الجاذبية الوطنية مما يسهل استقطابهم واستخدامهم أدوات ضد أوطانهم. وهذا هو المدخل الذي نفذت منه جماعة الإخوان المسلمين التي تنادي بإلغاء الأوطان والتركيز على مجتمع افتراضي أكبر. إن مثل هذا الخلل في ذاكرتنا التاريخية الوطنية (عبء الذاكرة التاريخية) هو أحد أهم عوامل تراجعنا لعقود خلت. وهذا يعني أن علينا من فترة إلى أخرى التخلص من الجوانب السلبية التي علقت بذاكرتنا التاريخية الوطنية سواء أكان ذلك يتعلق ببعض جوانب تاريخنا السلبية التي تم التركيز عليها دون غيرها أو كان ذلك دخيلاً على ذاكرتنا التاريخية الوطنية من تواريخ أخرى. ومن هنا فإني أنادي الجهات المعنية بالتاريخ في وطننا الغالي بالمساهمة بدور أكثر فعالية نحو دفع عجلة التحول الوطني وتحقيق رؤية ولاة الأمر -حفظهم الله- من خلال الانتقال بتخصص التاريخ من النمطية الموجودة إلى التعامل مع قضايا فكرية وطنية وتقف على رأس هذه القضايا قضية "ذاكرتنا التاريخية الوطنية". Your browser does not support the video tag.