لا يبدو مؤملاً انتهاءً قريباً للاحتجاجات العارمة التي تضرب إيران منذ أكثر من أسبوعين، تنديداً بالأوضاع التي وصل إليها المواطن هناك، في ظل حكم نظام «الملالي»، بعد قرابة 40 عاماً على ثورتهم المزعومة. ومخطئ من يعتقد أنه يمكن السيطرة على الأوضاع التي قد تتأجج في أي وقت بسهولة، خاصة في ظل تردي الحالة الاقتصادية، وثبوت فشل سياسة تصدير «الثورة» ومعها الأموال أيضاً، للدول المحيطة والأذرع الميليشياوية المتورطة بالإرهاب في أكثر من مكان. قد يكون الدافع الاقتصادي، هو الشرارة التي أطلقت عنان لجام الاحتجاجات، ولكنه في نفس الوقت كشف سوء إدارة الدولة ومعها ثروات البلد وصرفها على أنشطة تزعزع الاستقرار وتضرب أمن شعوب أخرى في المنطقة أو أخرى إقليمية أو حتى دول بعيدة في قارات لا ناقة لها ولا جمل. صحيح أن صيحات الاستهجان التي سمعناها ورأيناها، قد أسقطت قدسية رموز كهنوت السلطة الحاكمة هناك، وأشعلت فيها النيران وداستها بالأقدام، هي التعبير الشعبي الواضح في سخطه بما لم يتوقعه أكثر المتشائمين، ودفع الشارع الإيراني للصراخ باحثاً عن حقوقه في ثروات بلاده وخيراته المنهوبة باسم السلطة الثيوقراطية المتحجرة، ولكن يبقى الرهان على قدرة الشارع على الاستمرار له مغزى آخر.. يعكس في خلفياته الفشل الذريع لكل محاولات استلاب العقول باسم الدين أو المذهب من جهة، ومن جهة أخرى يكشف عمق الأزمة التي تضرب معقل هيئة إدارة الحكم والدولة معاً، وبشكل ربما لا يجعلهم من منطق العناد والاستكبار فقط لا يعترفون بأن النيران التي ساهموا في إشعالها في أكثر من مكان، وعبر أكثر من ميليشيا وذراع إعلامي أو إرهابي، قد وصلت للثوب الإيراني نفسه، وها هي تكاد الآن أن تحرقه.. إلا إذا.؟ العقلية المتسلطة في إيران، استمرأت كثيراً التدخل في شؤون الجيران والأصدقاء وحتى الشركاء في الدين، ولم تقف عند حد سواء بتشجيع القلاقل والاضطرابات، أو باعتماد الطائفية كمدخل للتدخل، أو بتبني أيديولوجيات التطرف والإرهاب فكرياً وعملياً في أكثر من بلد عربي، دون أن تعمل حساباً لوازع أخلاقي أو سياسي أو حتى من قبيل العلاقات العامة الدولية.. وهذه العقلية ذاتها هي التي وضعت إيران في مأزق اقتصادي وسياسي دوليين وتعرضها لعقوبات دولية، بل جعلت بلدهم موطئاً لكل أذرع الإرهاب في العالم. ورغم أملنا كدول خليجية، بالاستقرار لكل دول الإقليم كسياسة ثابتة، إلا أن هذا لا يمنعنا من القول إن ما يحدث في إيران هو نتيجة منطقية لسياسة اللعب بالنار دون حدود، وكثيراً ما قلنا في المملكة، من أننا نرغب في جوار طبيعي مع إيران دون أطماع إمبراطورية أو إجراءات عدائية، أو محاولة هيمنة واهمة، ولكن الإيرانيين لم يستمعوا لأي صوت عاقل، ولم يراعوا حرمة لجوار تاريخي أو أخوة في الدين أو شراكة إنسانية على الأقل. يبقى القول بأن تطورات الأوضاع على الأرض، هي من ستحكم المشهد في النهاية، والتي لن تكون أقل من الخلاص من حكم الملالي المتسلط، إن آجلاً أم عاجلاً. Your browser does not support the video tag.