يحدث بين الدول كما يحدث بين الناس. تصاب العلاقات بفتور أو بجمود أو بتوتر شديد أو ترتفع إلى أقصى درجات التعاون والتقارب، تساهم المشاعر العاطفية في تقريب الناس ولكن ليس بين الدول وزعماء الدول. عواطف السياسي تدور حيث تدور المصالح. عملت فترة في العلاقات الدولية بإحدى الوزارات. أتاح لي عملي ذاك أن أشارك في عدد من الاجتماعات الدولية ممثلاً للمملكة. تجربة علمتني معنى أن تفكر سياسياً. أول شيء تتعلمه أن وجودك مع ممثلي الدول الأخرى وجود آلي رغم المجاملات واللطف المتبادل والابتسامات المغدقة. بعد اجتماع أو اجتماعين ستشاهد بوضوح الأقنعة التي يلبسها الرجال والنساء. بقدر ما أدركت وجود الأقنعة على وجوه ممثلي الدول توصلت إلى شيء آخر أكثر أهمية. أن كلمة الأشقاء لوصف الدول العربية والإسلامية الأخرى كبير الضرر دون نفع يذكر. سأعطيكم مثالاً متخيلاً عن الضرر الذي يمكن أن ينشأ بين الدول العربية بسبب البعد العاطفي الذي تسبغه هذه الكلمة على العلاقات الدولية. لنفترض أن المملكة تنوي ترشيح سعودي لرئاسة منظمة الأوبك تحقيقاً لمصالحها الوطنية. لكي تفوز بالمنصب ستعمل على ضمان العدد الكافي من الأصوات قبل بدء التصويت. فنزويلا عضو في الأوبك. طلبت منها المملكة التصويت معها. وفي الأثناء كانت فنزويلا تحشد الأصوات لدعم مرشحها لرئاسة الاتحاد الدولي لكرة القدم. بالتأكيد سوف تطلب من المملكة أن تصوت لها في الاتحاد الدولي لكرة القدم مقابل أن تصوت للمملكة في الأوبك. اتفاق عادل ومنطقي. في نفس الوقت أعلنت مصر ترشيح مصري لمنصب الاتحاد الدولي لكرة القدم منافساً للفنزويلي. أين سوف يصوت المندوب السعودي مع الشقيقة مصر أم مع فنزويلا. لا شك أن مصلحة مصر تهمه ولكن مصلحة بلاده أهم. سيصدم الرجل العادي عندما يسمع أن المملكة صوتت لصالح فنزويلا ضد الأشقاء في مصر. لا يعي ما يدور خلف الكواليس والاتفاقات الجانبية. (الأخوة) في مفهومه هي التضحية والمساندة غير المشروطة. لن يبحث عن السبب المنطقي وراء مثل هذا القرار الذي لا يتفق مع ما يسمعه من عواطف سيالة بين السياسيين العرب. تحت تأثير الكلمات العاطفية التي رنت في أذنه وفي وجدانه سيتخذ موقفاً غاضباً. استخدام كلمات مثل الأشقاء أو المصير الواحد والتاريخ المشترك يلغي بشكل خيالي الحدود الواقعية بين الدول العربية أو الدول الإسلامية. علاقات الدول العربية ببعضها لا تختلف عن علاقاتها بالدول الأخرى. وإذا أردنا الصدق مع التاريخ فإن كل المشكلات التي ألمت بالدول العربية والإسلامية الشقيقة مصدرها الدول العربية الإسلامية الشقيقة الأخرى.