"إن أعظم درجات المهارة هي تحطيم مقاومة العدو دون قتال". لا يبدو أن هذه النصيحة الاستراتيجية من الخبير العسكري الصيني صن تزو تغيرت كثيراً رغم مرور آلاف السنين ودخول البشرية إلى العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين. في مقالة اليوم نبحر في عالم الحروب النفسية والإعلامية عبر التاريخ.. ننطلق اليوم من عام 336 قبل الميلاد وتحديداً من الإمبراطورية التي وصلت حدودها من جبال الهمالايا شرقاً إلى البحر الأيوني غربي بقيادة الإسكندر المقدوني والذي دحرالإمبراطورية الفارسية ووصلت جيوشه مصر وبلاد الرافدين والشام وآسيا الصغرى والهند. وتذكر كتب التاريخ أن جيوش الإسكندر المقدوني كانت تجيد استخدام الأصوات وتركز على لبس الجنود للأقنعة المخيفة واستخدام الأعلام القاتمة لخلق الرعب في جيوش الأعداء. وننتقل إلى الضفة المقابلة في البحر الأبيض المتوسط وتحديداً في الفترة الزمنية من 247 إلى 182 قبل الميلاد لنشاهد القائد العسكري القرطاجي هانيبال والذي استطاع هز عرش الإمبراطورية الرومانية وغزوها في عقر أراضيها. كان هانيبال يجيد فن الحرب الإعلامية حيث كان دائماً ما يطلق الإشاعات قبل المعارك بأن لدى جيوشه أسلحة سرية فتاكة وقاتلة كما كان ينشر الأخبار عن وجود أمراض قاتلة معدية لدى جنوده ليصيب قوات العدو بالذعر وينشر الإحباط بين صفوفها قبل وقوع المعركة. ويكفيك عن هذا القائد القرطاجي مقولة الجنرال الأمريكي نورمان شورزكوف والذي قاد الحملة العسكرية لتحرير الكويت في قوله: "تعلمت الكثير من هانيبال وطبقت تكتيكاته في التخطيط لمعركتي في عاصفة الصحراء" أما القائد العسكري الفرنسي (نابليون بونابرت) فله مجموعة من الأقوال التي تنبيك عما تمثله الحرب الإعلامية والنفسية بالنسبة له كما في قوله: إنني أتوجس خيفة من ثلاث جرائد أكثر مما أتوجس من مائة ألف مقاتل جبان في جيشي أشد خطراً علي من عشرة بواسل في جيش الأعداء الأمة العظيمة قد تفنى، لكن لا تخوّف وليست الحرب الإعلامية والنفسية بغريبة علينا في تاريخنا العربي والإسلامي ومن ذلك احتفاء الرسول صلى الله عليه وسلم بإسلام حسان بن ثابت الشاعر الذي شكل جبهة إعلامية في وجه شعراء كفار قريش وغيرهم. ونجد أبا بكر الصديق رضي الله عنه يشيد بالفارس الصنديد القعقاع بن عمرو في قوله:" لصوت القعقاع في الجيش خيرٌ من ألف رجل" وفعلاً كان من أهم مفاتيح النصر على الجيوش الفارسية في الفتوحات الإسلامية. وأخيراً، فلا شك أن القوة السعودية الإعلامية والوعي الشعبي تطورا كثيراً وبشكل ملحوظ في مواقع التواصل الاجتماعي وفي الإعلام الفضائي والمنشور عربياً. ويبقى التحدي الكبير في الإعلام الخارجي للمملكة ليتوازى مع التحديات والطموحات الكبيرة لبلادنا في هذا البحر المتلاطمة أمواجه. فدون إعلام قوي ومقنع لن تستطيع استقطاب الاستثمارات الأجنبية بسهولة ولن تتمكن من إيصال وجهة نظرك إلى طبقات المثقفين وصناع الرأي والقرار حول العالم...