أدرك العالم أن السعودية الجديدة لم تعد تقبل القوالب القديمة، التي يتنافر ظاهرها عما في جوفها، وتلك سياسة حكيمة انتهجها خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان منذ بلوغه سدة الحكم، وتولي ولي عهده الأمين محمد بن سلمان توطينها بمقاييس السعودية الجديدة. تأكيدات ومواقف سموه الأخيرة كانت تشدد على أن السعودية وطناً وسطاً بالمعنى الحرفي للكلمة، وليس كما كان يقال عنها في عز مراحل التشدد. في معترك الصحوة، الذي أفقدنا ثلاثة عقود من عمر هذه البلاد، كانت وسطيتنا لا ترتقي للعقل، فكيف نكون وسطيين والمدارس تعلم أطفالنا الكره لكل مختلف، ومعاداة الأهل الأقربين ومحاربة الحكومة ورجالاتها حينما نعتقد ببدعة يفعلونها؟ وكيف تكون وسطية ومن فوق المنابر تنطلق الكلمات كالرصاص على أسماعنا بالتحقير والدعاء على كل مخالف لنا بقطع النسل وإصابته بمختلف الكوارث، ووصفه بأشنع الأوصاف مما يلهب مشاعر المراهقين ويحثهم على الجهاد في أقطار الأرض ومحاربة كل من لا يطبق شرع الله بمفهوم الدين والمذهب الواحد وتسفيه كل من لا يتبع ذلك ولو ببذل المال أو تأكيد حصول النية. وسطية متشددة كانت تأتي على المرأة فتنتقص من عقلها، وتحرمها من حقوقها بأن تقف أمام القانون والشرع والحكومة بصفتها المكتملة ودون اعتبارها رجساً شيطانياً. وسطية متشددة كانت تسمح للرجل المتزمت بالتدخل علانية بيده ولسانه للنصح والتغيير الجبري فيما يفعله غيره، وحسب مفهومه الخاص الضيق. محمد بن سلمان أعلنها بكل شجاعة أننا لن ننتظر ثلاثة عقود أخرى حتى نتخلص من تشدد وتطرف تكالب على عقولنا وتعليمنا وإعلامنا وعلى تصرفاتنا ومجتمعاتنا وعلى علاقاتنا بالآخر المختلف عنا. الله سبحانه وتعالى خلق البشر بتعداد أجناسهم وأديانهم ومفاهيمهم وطرقهم ومذاهبهم ليجعل منهم تنوعاً متحاباً متعاوناً يسعى لعمار الأرض، ولو أراد سبحانه وتعالى لجمعنا في طيف واحد لا تمايز فيه. ولا شك أن السعودية قلب العالم الإسلامي وحارسة مكةالمكرمة والمدينة المنورة وهي قبلة ومحط العبادات والشعائر ومن حق كل مسلم مهما اختلف معنا أن يشعر بتسامحنا ومحبتنا حينما يحل فيها ضيفاً، في وسطية حقيقية لا نكون فيها مسيطرين على الناس، ولا أن نمنعهم من الوصول إلى خالقهم، بالطريقة، التي يعتقدون بها، ولا أن نجبرهم على ما لا يعتقدون. ولقد خلق الله البشر على مختلف الأديان، والوسطية تستلزم أن نمد أيدينا إلى الغير مهما اختلفت أجناسهم وأديانهم، في كينونة تتمثل بالتعاون الإنساني المثمر، الذي فيه حياة ومصلحة وسلام ومحبة تنبذ الكره والعداء، وتحارب إشعال الأنفس بالعصبية المريضة. إنها السعودية الجديدة، حيث أعيدت إليها الوسطية الحقة، والتي تقف في منتصف القلب الأخضر، حيث لا ضَرر ولا ضِرار. وكم سيكون لوسطيتنا من فوائد عظيمة علينا وعلى الوطن والإسلام، حينما تكون وسيلتنا للتعايش مع كل البشر بسلام.