كثير من الآباء والأمهات يجهلون مدى ما يعانيه الطفل من عدم وضوح المفهوم الديني لديه... خاصة وان هناك مؤثرات عكسية اخرى قد تخالف ما تعلمه الطفل من مفاهيم وقيم دينية ومعتقدات.. ومن هذه التأثيرات العكسية مايراه في وسائل الإعلام والرسوم المتحركة التي ترسم المسائل الربوبية والإلهية والمسائل الغيبية بشكل مخالف لما تعلمه !! او ان يرى الطفل ويسمع من مجتمعه كلمات وتصرفات مخالفة لما تعلمه !! فالطفل مثلاً (يتعلق بالقيم المطلقة مثل العدل والصدق والحق) ولكن حين يتعامل مع الواقع من حوله يجد ان هذه القيم المطلقة غير موجودة بالقدر الذي كان يتصوره وانما هي نسبية الوجود... كأن (يعرف بأن عليه ان يقول الصدق دائما، ثم يرى بأن من علّمه هذا الأمر هو اول من يكذب) فتنهدم لديه الثقة، حينها تحدث فجوة بينه وبين العالم المنافق من حوله وربما وصلت هذه الفجوة الى درجة العزلة والإحباط والانسحاب من المجتمع.. ومع الوقت يصبح هذا المراهق في مفترق الطرق فإما ان يتعايش مع الواقع رغم قوانينه التي يرفضها ويتخلى عن المثاليات، وإما ان يختار الطريق الآخر فينعزل عن مجرى الحياة اليومية كي يظل محتفظا بتصوراته وقيمه... والخطأ هنا اننا علمنا الطفل الفضيلة والصفات الكاملة ونسينا ان نعلمه ان من طبيعة البشر النقص وانهم يأخذون من هذه القيم والأخلاق بنسب متفاوتة.. و هذا القلق يزيد ويتأثر به الطفل حسب شخصيته وحسب البيئة المحيطة به فاذا كانت البيئة متقبلة ومتسامحة وهوايضا يملك شخصية متوازنة فإنه سوف يتخطى هذه المرحلة بسلام.. ومع مرور الوقت يدخل الطفل مرحلة المراهقة ويحدث له تطور سريع غير متوازن بين نموه الجسدي والجنسي والنفسي والاجتماعي والروحي فيحدث نوع من الارتباك والحيرة فهو يرى نفسه قد نما جسديا فأصبح مثل الرجال شكلاً وحجماً ولكنه في الحقيقة لا يزال طفلاً نفسياً وروحياً مما يشكل له خللاً نفسياً وفكرياً.. كما ان انتقال المراهق من التفكير المحسوس الى التفكير التجريدي القادر على فهم المعاني والرموز المجردة يجعله يفكر في المسلّمات والمعتقدات الدينية التي تلقاها عن طريق ابويه او معلميه وهنا ربما تحدث له فجوة بسبب رجوعه الى التفكير العقلي التجريدي وربما طال هذا الخلل وعدم التوازن لعدة اشهر يكون فيها مشككاً في المسلّمات اوحتى انكار الثوابت ولكن سرعان ما يعود الى توازنه مرة اخرى متى ما احسن المجتمع من حوله التعامل معه حتى تزول غيمة المراهقة.. و يشتكي الطفل المراهق من صراع بين القوة الغريزية المتفجرة في هذه المرحلة وبين القوة الروحية المتعلقة بالغيبيات والايمانيات، فتجعلانه في حالة من التوتر، اوحالة من كبت الغرائز بشدة والعيش في حالة روحانية، او حالة من التقلبات الحادة بين هذه وتلك.. ودور الوالدين هنا هو مساعدة المراهق على التأقلم ومحاولة تكييفه مع واقع المجتمع وقوانين الحياة وفي نفس الوقت يساعدانه على الارتقاء بنفسه، مع محاولة تخطي هذه الغيمة بأمان نفسي واجتماعي الى ان يصل الى الاستقرارالفكري..