قصّة واقعية رواها لي صديق عزيز، جعلتني أتعجّب، وأضرب كفاً بكف على ما أنفقناه من أموال وما نفّذناه من برامج للقضاء على البطالة، إذ يبدو أنها ما زالت حيةً تُرزق، وأصبحت مثل الذي تحكيه الأساطير الشعبية عن القطط، من كونها ذات 7 أرواح، كلّما طَلَعَت روح وظنّ الناس أنها ماتت، قامت من مضجعها كما يقول أهل الحجاز «وما فيها ولا ضرْبة»!. والقصّة تدور حول مبتعث سعودي في بريطانيا، نال بجدارة شهادتين معاً في تخصّصيْن هندسييْن صعبيْن، هما الهندسة الكهربائية والهندسة الميكانيكية، وضمن ماذا؟ ضمن المدّة الدراسية المعتمدة لتخصّص واحد فقط، وهو مؤشر لعبقرية كثير من السعوديين إذا ما توفّرت لهم البيئة الخصبة التي تُفتِّقُ عبقرياتهم تفتيقاً، وما إن تخرّج من جامعته حتى التقطه أحد مصانع السيارات العالمية، فهو صيدٌ ثمين بالنسبة له، كاللؤلؤ بالنسبة للصيّاد في البحر، ووظّفه على وظيفة مرموقة براتب مرتفع، لأنّه يُوفّر عليه تكاليف توظيف مهندس آخر، لكنه بعد فترة ترك وظيفته مضطراً بعد أن علم أنّ المصنع ينوي نقل معظم مرافقه الصناعية لبلد آخر تتوفر فيه عمالة أرخص، وهو لا يُحبّذ العيْش في البلد الآخر، وآثر العودة لربوع الوطن، ظاناً أنّ جهاتنا الحكومية وشركاتنا الأهلية ستتهافت عليه مثلما تتهافت الفراشات على الضوء، لكن للأسف عاد الضوء لقواعده سالماً ووهّاجاً ومُنيراً، ولم تتهافت الفراشات عليه، ولا حتى البعوض والذُباب، بل لم تدرِ به أصلاً، وطارت بعيداً عنه، وأصبح هو حتى تاريخه عاطلاً عن العمل، يبحث عن وظيفة، إمّا بملفّه الأخضر أو في الإنترنت، وأيّ وظيفة، لله يا محسنين!. قصّة مؤلمة لأحاسيس الوطن، ولا أملك التعليق عليها سوى أنّنا وفي بداية تحوّلنا الوطني، بهدف الوصول لاقتصاد قوي، ومتنوع مصادر الدخل، وغير معتمد على النفط، لا بُدّ لنا أولاً من حلّ مشكلة البطالة، هذه الأمّ الشرّيرة ذات ال 7 أرواح، وإدراج برامج القضاء عليها ضمن خطط التحول، فلا نجاح لأي تحوّل لأيّ وطن إلّا بسواعد أبنائه، هكذا تأسّست الدول العظمى، وهكذا استمرّت عظيمة.. وهكذا سنكون نحن بعون الله وفق ما رسمته لنا قيادتنا الرشيدة . @T_algashgari [email protected]