مازالت عمليات الهدم والإزالة في مدينة مكةالمكرمة تتسارع، ومازالت أسئلة سكانها دون أجوبة واضحة، فما الذي يجري بالتحديد في مكة، هل هناك هدف أو رؤية أو نهاية لما يحدث؟! هل يراد تحويلها إلى مدينة ناطحات سحاب وأبراج سكنية ومعارض تجارية، هل المراد جعلها مدينة للحج والعمرة وحسب، وهل المطلوب من سكانها الرحيل إلى ضواحيها أو إلى المدن المجاورة..؟! أسئلة كثيرة يثيرها ما يحدث والطريقة المتعسفة في تنفيذه. ومع غياب المعلومة وانعدام الشفافية تتناثر الإشاعات عن هجمة استثمارية كبرى من غير أهلها تريد مزاحمتهم، لا مجرد مشاركتهم، في رزقهم بالاستيلاء عنوة على مساكنهم وأملاكهم لتحويلها إلى منشآت تجارية، بل تحويل مكة، المدينة المقدسة، إلى مدينة تجارية بحتة، أو سياحية كما يزعمون. مفهوم بل مقدر ما تقوم به الدولة من مشروعات حيوية لخدمة حجاج بيت الله الحرام ومعتمريه، ولكن ما سر توقيت هذه الهجمة والحملات المتتالية لإزالة وهدم أحياء بكاملها لا مجرد دور في منطقتها المركزية، دون توفير بديل لمن يجبر على ترك منزله قبل استلام تعويض مناسب، ما سر هذه التغيرات والتبديلات في تحديد مسارات واتجاهات عمليات الهدم والإزالة تتمدد شرقًا بعد أن غالت شمالًا ثم تعود لتتوغل غربًا، هل هناك خطة عامة أو تصور أساس لعمليات الهدم هذه، هل لها مرجعية حكومية أم أنها ذهنية المستثمرين ورغباتهم التجارية وحسب..؟! ثم ما سر التفاوت، بل التناقض في هذه التعويضات البخسة لأصحاب الأملاك داخل وخارج المنطقة المركزية..؟! ما سر هيئات التعويض التي تضطر للتراجع عن تقديراتها المتدنية، وكيف يتم اختيار بعض أفرادها من خارج مكة العارفين بشعابها وقيم أراضيها..؟! وهل هناك تشابك أو تقاطع في المصالح هنا..؟! ثم ماذا لو اكتشف بعض ممن نزعت أملاكهم للمصلحة العامة أنها استخدمت لمصلحة استثمارية خاصة..؟! هل سيدوخ السبع دوخات في المحاكم لأخذ حقه..؟! لم أفهم الكيفية التي تتم بها الإزالة من قبل شركات منفذة، وليس مجرد مقاولي هدم، قبل أن يتم تعويض الملاك أو توفير بدائل لهم، ولمَ تتم الإزالة تحت حماية الشرطة، حماية من..؟! لم أفهم كيف توجه شركة الكهرباء إنذارات بفصل الخدمة..؟! وهل يتم ذلك بموافقات رسمية أم بموجب علاقات شخصية..؟! فأية قوة جبرية تملكها هذه الشركة..؟! وإذا لم يرض الملاك، سواء بقيمة التعويض أو بفكرة تأخير استلامه لاستكمال الأوراق، هل يحق للشركة المنفذة إجبار السكان علي الإخلاء بدون حكم قضائي..؟! وهل سيوجه لها إنذارًا إذا تأخر التسليم، وإذا لم يكن التعويض مناسبًا..؟! هل يحق للسكان اللجوء للقضاء لوقف عمليات الهدم..؟! هذه الشركات وهؤلاء المستثمرون الجدد الذين انبثقوا فجأة من عالم الغيب وانهالوا على أراضي مكة استثمارًا، هل من مرجعية قانونية تحكم عملهم سواء وافق الملاك أم لم يوافقوا على المساهمة، أم سيكتفى بحفظ تعويضاتهم المتدنية في بيت المال وليضربوا برأسهم في الحائط ولا معين..؟! ثم من هم هؤلاء المستثمرين، لا تعرف أسمائهم ولم يعلن عن تشكيل شركاتهم أو مشروعاتهم، وهل تنافسوا مع غيرهم..؟! ولمَ معظمهم أجانب..؟! على سبيل المثال أعلن عن تأجير دور واحد في أحد الأبراج لمدة 25 عامًا بمبلغ 100 مليون ريال مع دخل سنوي لا يقل عن 10 مليون ريال، والوكيل لا خارج مكة وحسب، بل خارج المملكة أيضًا، حتى السمسرة حرم منها أهل مكة، فأي بخس هذا..؟! كتبت أكثر من مرة مطالبًا بالتفريق بين مكةالمكرمة كمدينة للحج والعمرة وكمدينة سكنية، ولكن يبدو أن الأمر مازال مختلطًا لدى كثير من مخططي مكة، هذا إن كان مازال لها مخططون، وقد اطلعت قبل فترة على مخطط طويل المدى لمكة أعدته هيئة تطوير مكة، هل تذكرونها، رأينا فيه ناطحات سحاب وأسواقًا كبرى وشوارع فسيحة، وحفل ببعض احتياجات سكانها، ولا أعلم بعد التغيرات التي طالت الشكل الإداري للهيئة هل مازال المخطط المذكور قائمًا أم طالته أيدي المستثمرين الجدد..؟! السؤال الذي مازال عالقًا هل تحتمل البنية التحية الحالية لمكة ضخامة هذا التمدد العمراني، ولماذا لم نر مشروعات مماثلة في الحجم للبنية التحتية تهيئ مكة لهكذا مشروعات ضخمة..؟! شوارعها مازالت مهترئة لم ينلها التجديد منذ عشرات السنين، لا تمديدات كهربائية أو مائية أو تصريف صحي لمعظم أحياءها، هجرتها حتى الدوائر الحكومية هربًا من سوء خدماتها، بل إن مقر إمارتها الرئيس خارجها، تحسين وتطوير كل هذا لا يتم إلا بخطة مركزية، وجهة إشرافية عليا، والموجود جهود شركات استثمارية مختلفة. أمانة العاصمة المقدسة التي طالما تحججت بندرة أراضي المنح في مكة، أعلنت فجأة عن وجود ثلاثة آلاف منحة، قد تكون مشروعات قديمة، ولكن هل يُعقل ندرة الأراضي بمكة وهي المحاطة بأراضٍ بيضاء مسورة سواء بوضع اليد أو بالمنح غير المحدودة الحجم، فلم لا تنزع هذه للمصلحة العامة، فلل الإسكان في حي الرصيفة ظل معظمها معطلًا مدة طويلة دون حل أو تنسيق مع بنك التنمية العقاري لتمليكها للمستحقين بدل انتظارهم سنوات لقرض ضئيل، يعلن فجأة أنها ستباع في مزاد علني، أي أن المستفيد جماعة المستثمرين إياهم. وزارة التربية التي تضطر لبناء المدارس خارج النطاق العمراني، لماذا لا يتم نزع الملكيات والهدم لفائدتها وهي مصلحة عامة. مؤشرات كثيرة ومتضاربة لبيئة استثمارية ناجحة لمكة تلوح في الأفق ومع ذلك يتم تجاهلها طويلًا، ثم فجأة تتسارع الموافقات لمشروعات استثمارية ضخمة، فهل يُراد تمليك مكة لغير أهلها، وهل يتعارض وضعها كمدينة سكنية ووضعها كمدينة للحج والعمرة..؟! [email protected]