اطَّلعتُ على مقال الأخ الكاتب محمد رويشد السحيمي، بعدد جريدة “الوطن” الصادرة في 20/12/1430ه بعنوان «سعدي الردادي في خدمة الشعب»، استهله بفذلكة أقرب إلى الخيال عن حادثة طلاق عُرضت على أحد قضاة المدينةالمنورة قبل سنوات، قد تزيد عن خمسين عامًا، ولم يجد القاضي مبررًا للوفاق بينهما، إلاّ أن سعدي الردادي -حسب قول الكاتب- أنقذ السفينة من الغرق. ثم استرسل السحيمي بالحديث عن سعدي، واصفه بالذكاء، والحيل والتحايل، واستغلال الثغرات القضائية، وأنه محامٍ بالفطرة؛ ثم أكد أنه من كبار المحامين، وأن بعض قضاة المدينة طالبوا بإبعاده عن المحاكم. فأقول للكاتب العزيز: لقد أخطأت المورد -وآفة الأخبار رواتها- فالمحامي الذي تحدّثت عنه ليس سعدي الردادي، بل هو الشيخ سعد بن سعدي المغذوي، الذي مارس المحاماة فترة طويلة، وتصدّى لكثير من القضايا بحجاج علمية، وعارضة قوية، وحدَّة الحديث مع القضاة -آنذاك- ممّا أثار حفيظة بعضهم، فهو ليس محاميًا بالفطرة، بل هو خريج المدرسة «الراقية الهاشمية» بالمدينةالمنورة، التي تعتبر -آنذاك- من المدارس المميّزة بقوة مناهجها، وندرة أساتذتها. فقد خرَّجت أجيالاً تفوّقت في شتّى المعارف كمدرسة الفلاح بجدة، ومدرسة الصولتية بمكة المكرمة. وقد جهَّز نفسه بعد تخرّجه من المدرسة المذكورة للالتحاق بالأزهر الشريف لمواصلة تعليمه، إلاّ أن ظروفًا أسرية حالت دون ذلك، فعمل فترة طويلة مع كبار المحامين في غرة شبابه، كالمحامي ذائع الصيت الملقّب ب“الرشيدي”، وتتلمذ في حلقات العلم بالمسجد النبوي الشريف، وأبحر في علوم الفقه على المذاهب الأربعة، وكذلك الفرائض. إلاّ أن دفاعاته -وفقًا لما عليه القضاء- مستقاة من المذهب الحنبلي، فشهرته ليست كونه محاميًا بالفطرة، أو لاقتناص الحيل أو التحايل كما كتب الكاتب، بل لبراعته بقوة الحجة، وصلابته بالمحاورة، وحدَّته في الرّد، وتفوّقه على بعض المنافسين له بمجال المحاماة، ممّا جعل بعض قضاة المدينةالمنورة، وبعض أصحاب المصالح الذين يتوكّل لخصومه يناصبونه العداء، ويكيدون له الدسائس، فألصقوا به تُهمة الحيل والتحايل، والمرافعة عن الخصمين في قضية واحدة، وأنه يُعطي لكل واحد من الخصمين دفعًا ضد الآخر؛ ممّا يحيَّر أحيانًا قاضي القضية أيُّهما أحق ، مع تُهمة تلقين الخصوم، وأخذ القضية بشهودها، فلملموا هذه التُّهم، وطلبوا من الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن -طيب الله ثراه- إبعاده عن المدينة، بل نفيه عنها. فشكّل الملك العادل لجنة لتقصّي الحقائق، فشخصت للمدينة، ومن ثم رفعت نتيجة التحقيق إلى الملك عبدالعزيز الذي ينظر للأمور بروية وبصيرة، وينشد الحق أينما كان، مرجحة بأن في الأمر تواطؤا وتدبيرًا ضد ابن سعديأ فحسم النزاع بصدور أمره لنائبه بالحجاز الأمير فيصل بن عبدالعزيز -رحمهم الله جميعًا- بسجن سعد بن سعدي المغذوي ثلاثة أشهر، ونفَّذ ذلك. وهذه نبذة مختصرة عن الشيخ المحامي سعد بن سعدي المغذوي، وما جرى له من حادثة الإبعاد عن المحاماة، أردت أن أصحح بها ما ذهب إليه الأخ العزيز محمد السحيمي عن رجل علم من أعلام المدينة عرف برجاحة الرأي، وقوة الحجة، وعمق المعارف الفقهية، وقد كانت مكتبته مليئة بشتّى علوم المعرفة. وأقول للكاتب حقًّا إن «آفة الأخبار رواتها»، فلم يكن مصدري عن وكالة ما يقولون، وإنما هو جدُّ أبنائي قد جالسته فترة طويلة، واستفدت من حديثه، واطّلعت على طبيعة تعامله في هذا المجال قبل وفاته -رحمه الله- بعشرين عامًا، واستفدت أيضًا من مكتبته العامرة بشتى العلوم، فلم أرَ ما يقوله الناس من المساومة بأخذ القضية بشهودها، أو تلقين الخصمين، أو ما رواه السحيمي من اتّباع أسلوب التحايل، أو الحيل، بل يسمع من صاحب القضية، ويطّلع على ما صدر بشأنها، فيوضح لصاحب القضية نسبة نجاحها، وبعض القضايا يرفضها؛ لعدم وجود ثغرات لنقض ما صدر بها من حكم.. والله المستعان.