من المصطلحات التي تروّج على ألسنة بعض التنويريين المزعومين مصطلح «القطيع»، فطالما تسمع منهم عبارة «ثقافة القطيع»، ويعنون بها التزام المجموعات بأوامر أو توجيهات زعامة يقدسونها، قد تكون هذه الزعامة سياسية، وقد تكون دينية، وقد تكون اجتماعية، وأكثر ما يروّج هذا التعبير حين يتحدّث التنويري والحداثي وأضرابهم معبّرين في لطميّات تثير الشفقة عن فشلهم في كسب التأييد الشعبي، فالمجتمعات الإسلامية مهما بعدت في سلوكها عن الإسلام، إلاّ أنّها مجتمعات تدين بولائها للدّين الإسلامي؛ لأنّها تعلم في قرارة نفسها أنّه الحق والحقيقة المطلقة التي لا يأتيها الباطل من بين يديها ولا من خلفها، فهي لا تقبل أبدًا بمن يتفيهق في خطاب فكري مغرق في الكبر والاستعلاء يقدح في ثوابته، ويطعن في أصوله تحت أيّ ذريعة، ولهذا يذرف هؤلاء الظلاميون الدموع على المجتمعات التي استدبرتهم، واستقبلت بكل حفاوة وتقدير الخطاب الإسلامي المعتدل الذي ينبع من الكتاب والسنّة، فانساقت له لا لمجرد عاطفة مستعرة، بل لأنّه خطاب متواضع يعيش بينها ويشاركها الهموم، ويعود بها إلى أصولها الإسلامية، إلى دينها الّذي تحنّ إليه ويحنّ إليها، خطاب ينبع من النداء الرباني المتكرر في القرآن: {يا أيُّها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم}، فالدّين هو حياة المجتمع مهمّا عيّره به الحداثيون (الأموات في أجداث أحياء)، تُقبل المجتمعات الإسلامية إلى الدّين بمجرد خطاب وخطبة، بينما ظلّت الأحزاب الاشتراكية والعلمانية عشرات السنين لم تكسب إلاّ التعب وسقط المتاع، ولهذا جاء نسلهم الفكري من الحداثيين والليبراليين وغيرهم ليعيّر هذه الأمّة بمفخرة من مفاخرها وهي ثقافة الجماعة، قال صلى الله عليه وسلّم: «يد الله على الجماعة»، وقال: «مَن أراد بحبحة الجنة فليلزم الجماعة، فإن الشيطان مع الواحد، وهو من الاثنين أبعد»،فالجماعة والاجتماع على الحق هو أحد أهمّ ما خالف فيه الإسلام الجاهليّة، ولهذا قال صلى الله عليه وسلّم: «من خرج من الطاعة وفارق الجماعة فمات فميتته جاهلية»، وإذا كان الخروج السياسي على الجماعة جاهلية فالخروج عليها فكريًّا وسلوكيًّا جاهلية لا تقل عن الأولى، فهؤلاء الذين شذّوا فكرًا ومنهجًا لمّا احتوشهم الشعور بالغربة في داخل مجتمعاتهم، وأدركوا أنّ المجتمع الإسلامي يلفظهم ويتقزّز من طروحاتهم، أصبحوا يسبّونه ويعيّرونه بأنّه رهين ثقافة القطيع، أمّا لو أطاعهم المجتمع وانساق كالقطعان لشذوذاتهم وانحرافاتهم، فهو مجتمع مستنير حر، فالأمر إذًا لا يعود لثقافة ولا لفكر حر، ولا غير ذلك، وإنّما انفعال سببه مرارة الفشل الذّريع الّذي مُنيت به المشاريع التغريبية في بلاد المسلمين، ومصيرها إلى بوار وبئس القرار. [email protected]