جاء أحدُ الموظَّفين إلى أحدِ المديرين، مقدِّمًا استقالته من العمل، وعندما سأله المديرُ عن أسباب ترك العمل؟ أجاب الموظَّف: لا توجد أسبابٌ لتقديم الاستقالة، إلاَّ سبب واحد، فسأل المديرُ الموظَّفَ: ما هو؟ فأجابه: (أنت السبب)، فوجئ المدير بالإجابة، وسأل الموظَّف: لماذا أنا السبب؟، فقال له الموظف: لأنَّك طوال فترة العمل معك، لم تُشعرنا بأنَّك تعمل من أجل الشركة، بل كان هدفك الأساس هو أنْ تعملَ من أجل مصلحتك، وتقوية مكانك وتعزيز سلطتك، كما أنَّك لم تعترفْ بنا كموظَّفين في يومٍ ما، فلم تأخذ رأينا في شيء، فكلُّ مَا كان يصلُنا هو أوامر، وقرارات للتنفيذ، وليس للدِّراسة، أو إبداء الرأي، وكلّ مَن حصل على علاوة، أو ترقية، هم أولئك الذين كانوا يكيلون لك المديحَ، والثناءَ، والتمجيد، أمَّا مَن يعمل، ويجد، ويتعب في صمتٍ، فمصيرُه التجميد، والبقاء في مكانه دون تحسين أو تطوير. (أنت السبب)؛ لأنَّك لم تضع خططًا لنا لتطوير أنفسنا بما يتلاءم مع ما تُكلِّفنا به من مهام، ولمْ تسعَ في يومٍ ما إلى تحسين قدراتنا، ومهاراتنا، بل كان همُّك الأساس هو تحقيق الأهداف دون معرفة الوسائل التي تساهم في تحقيقها، ففقدنا الثقة في أنفسنا؛ لأنَّك فقدت الثقة فينا، ووثقت في كلِّ ما يُقدَّم لك من دراسات، وبحوث، وغيرها من العروض ذات الألوان والأشكال الجميلة، والرسومات المبهرة، خصوصًا وأنَّها تُقدَّم من ذوي العيون الخضراء، وبلغة إنجليزيَّة محترفة. (أنت السبب)؛ لأنَّك سعيتَ لأنْ نُحقِّقَ مكاسبَ للشركة ليس من أجل الشركة، وأرباحها، وتعزيز مكانتها، بل من أجل رفع عمولتك، وزيادة دخلك، ورصيدك البنكي، في حين بقيت مداخيلنا كما هي، فلم نحصل على عمولات، ولا على مكافآت، بل لم نحصل على أيِّ تقدير ماديٍّ أو معنويٍّ مقابل ما قدَّمناه من جهد، وما حقَّقناه من إنجاز، وكان جلُّ اهتمامِك ليس مراقبة العمل، بل مراقبتنا، والتجسس على أخبارنا وأحوالنا، سواء داخل أو خارج العمل. (أنت السبب)، فكلُّ وعودك التي وعدتها لنا قد أخلفتها، فأصبحنا أسرى لمزاجك الشخصيِّ، وأصبح العمل همًّا، وحملاً، بدلاً من أن يكون متعةً ورسالةً، وعكست بيئة العمل لتصبح بيئة إرهاب وتخويف، بدلاً من أن تكون بيئةً آمنةً مطمئنةً، ونجحت في إشعال وقود الفتنة، والفرقة، والنزاع بين أفراد فريق العمل، لتكون لك السيادة، والهيمنة المطلقة عليهم، ولتأمن عدم اتحادهم ضدّك يومًا ما. لم يكن ما سبق لقاءً بين موظف مستقيل، ومديره فقط، بل كان محطة مراجعة، ووقفة تأمُّل يجب على كل مدير أن يقف عندها، ليعرف مستوى أدائه، وطبيعة أسلوبه، ورأي زملائه في طريقة عمله.