فقد منَّ الله على هذه البلاد المباركة أن جعلها قاعدة الإسلام، وحصن الإيمان، ومعقل الدعوة، فتنزَّل القرآن في عرصاتها، وبُعث الرسول صلى الله عليه وسلم من بطاحها، وهي دولة تلتزم بالإسلام، تأخذ به في عقيدتها، وتترسمه في تشريعها، شرفها الله بالولاية على الحرمين الشريفين، أكرمها بخدمتهما ورعايتهما، فنتج عن ذلك أن كثر أعداؤها، وازداد حسادها، فأخذوا يكيدون لهذا البلد وأهله، ويحاولون أن يزعزعوا استقراره وأمنه، فسعوا في فساده وخرابه، وغرَّروا بفئة من شبابه، فكرَّهوا إليهم العلماء والحكام، حتى وقع من بعضهم ما لم يكن في الحسبان. إن ما مر بهذه البلاد من أعمال تخريبية وأفعال إجرامية وترويع للآمنين، وما حصل من إزهاق للأرواح وهتك للحرمات وتدمير للممتلكات، لا يقرُّه شرع ولا عقل ولا فطرة، وهو عمل إجرامي وإرهاب شنيع، والإسلام بريء منه، والمنفِّذون له مفسدون في الأرض، قد باؤوا بجرم عظيم، يحاربه الإسلام أشد المحاربة، ويدينه أشد الإدانة. وقد جمع هؤلاء المفسدون بين قتل النفوس الآمنة وقتل أنفسهم، وتوعد الله عز وجل مَن قتل نفسه بالعذاب الأليم في نار جهنم، فكيف بمَن قتل النفس المحرمة، قال تعالى: {وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا * وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ عُدْوَانًا وَظُلْمًا فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَارًا وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللّهِ يَسِيرًا}. وعن أبي هريرة رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (مَن تردى من جبل فقتل نفسه فهو في نار جهنم يتردى فيها خالداً مخلداً فيها أبداً، ومَن تحسى سماً فقتل نفسه فسمه في يده يتحساه في نار جهنم خالداً مخلداً فيها أبداً، ومَن قتل نفسه بحديدة فحديدته في يده يتوجأ بها في بطنه في نار جهنم خالداً مخلداً فيها أبداً) رواه البخاري ومسلم. لقد سبق الإسلام جميع القوانين في مكافحة الإرهاب، وحماية المجتمعات من شروره، وفي مقدمة ذلك حفظ الإنسان وحماية حياته وعرضه وماله ودينه وعقله من خلال حدود واضحة منع الإسلام من تجاوزها، إنه دين يحمي الكرامة والحياة الإنسانية، وجعل من قتل أي نفس بغير حق بمثابة قتل الناس جميعاً، قال تعالى: {مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا} وحذَّر النبي صلى الله عليه وسلم من سفك الدماء المعصومة، فعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لن يزال المرء في فسحة من دينه ما لم يصب دماً حراماً) أخرجه البخاري. إن ديننا الإسلامي قد حفظ للمسلمين أبدانهم وأعراضهم وأموالهم، وحرم انتهاكها، وشدَّد في ذلك، وكان من آخر كلامه صلى الله عليه وسلم في خطبة الوداع: (إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا) متفق عليه. لقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن ترويع المسلمين وإخافتهم، فضلاً عن سفك دمائهم، جاء ذلك في قول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يحل لمسلم أن يروِّع مسلماً) أخرجه أحمد وأبو داود. وكذلك نهى صلى الله عليه وسلم عن حمل السلاح على المسلمين، فأخرج الشيخان من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (مَن حمل علينا السلاح فليس منا). وقد قرن الله سبحانه وتعالى قتل النفس بغير حق بالشرك به سبحانه، قال تعالى: {وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا * يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا}. وحذر عز وجل من قتل النفس المؤمنة، فقال تعالى: {وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا}. إن ما يقوم به هؤلاء الخوارج من قتل للمعاهدين والمستأمنين في هذه البلاد المباركة ليس من الإسلام في شيء، فليست النفس المحرمة هي نفس المؤمن فقط، بل النفوس التي حرمها الله عز وجل وحرم قتلها أربع أنفس: نفس المؤمن، ونفس الكافر الذمي، ونفس الكافر المعاهد، ونفس الكافر المستأمن. فقد أخرج البخاري في صحيحه عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (مَن قتل معاهداً لم يرح رائحة الجنة، وإن ريحها تُوجد من مسيرة أربعين عاماً). وفي الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ذمة المسلمين واحدة يسعى بها أدناهم، فمن أخفر مسلماً فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، لا يُقبل منه صرف ولا عدل). فبيَّن صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث أن المسلم إذا أمن كافراً، وجعله في عهده، فإن ذمته للمسلمين جميعاً، وحرم على عامة المسلمين دمه، وإن كان هذا المجير أقلهم شأناً، فكيف بمَن أمَّنه ولي أمر المسلمين؟! ثم إني أقول لإخواني المسلمين: حذار من التعاون مع هؤلاء المفسدين، فمَن تعاون معهم بنصر أو تأييد أو مساعدة أو إخفاء معلومات عنهم تُعين ولي الأمر على التمكن منهم فقد ارتكب كبيرة من كبائر الذنوب. فعن علي بن أبي طالب رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لعن الله مَن أوى محدثاً) أخرجه مسلم. وفي ختام كلمتي هذه أسأل الله العلي القدير بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يكشف ستر هؤلاء الخوارج، وأن يمكن منهم؛ لينفذ فيهم شرع الله المطهر، وأن يجعل هذه البلاد آمنة مطمئنة وسائر بلاد المسلمين، وأن يوفق ولاتنا وجميع ولاة أمور المسلمين لكل خير، وأن يصلح لهم البطانة، وأن يجعلهم من الهداة المهديين؛ إنه ولي ذلك والقادر عليه،. (*)عضو هيئة كبار العلماء، وعضو اللجنة الدائمة للإفتاء والبحوث العلمية