على حافّة المدينة وعند حدود الصحراء كان عنوان الورقة التي قدمها الناقد حسين بافقيه في قراءته لكتاب (ثقافة الصحراء) للدكتور سعد البازعي. قبل البدء في هذه القراءة، مكانة المؤلف كانت هي التوطئة لهذه القراءة، فالدكتور سعد البازعي له مكانته في ساحة النقد، مطَّلع على أحدث النظريات في الأدب الإنجليزي، لم يعرف عنه انه افتعل معركة، خطابه بدأ مع حركة الحداثة في المملكة. ولم يكن يجنح إلى المعارك كالغذامي والسريحي كما يؤكد ذلك بافقيه ولم يستورد نظرية نقدية ويجلس على باب بيته ولكنه يقول: لن اتترس بمنهج نقدي، بل كان يميل إلى الاتجاه الاجتماعي. الصحراء تلك القارة المجهولة أخذت نصيباً وافراً من هذه القراءة فأتت مطولة جداً. هناك اتفاق واختلاف بين وحي الصحراء وثقافة الصحراء كما لمسه بافقيه من خلال تأكيده ان السنوات الست والخمسين التي تفصل بين كتاب وحي الصحراء لمحمد سعيد عبدالمقصود وعبدالله عمر بلخير وكتاب ثقافة الصحراء لسعد البازعي لم تكن تستدعي زمناً ساكناً ثابتاً هو زمن الصحراء التي تلفها مساحات من الفراغ غير المتناهي، وليست ثمة ما ينبئ عن اختلاف إلا ما تحدثه كثبانها الرملية ومتعرجاتها كلما هبّت عليها زوبع فلا تلبث ان تزيد الصحراء وابنها عذابا ممتدا، وانما كان المدى الذي يفصل ما بين 1355 زمن صدور وحي الصحراء و1412 زمن صدور ثقافة الصحراء خليقا بأن يحدث تغيير شيء في صحراء الجزيرة العربية. وثمة ما يجمع بين الكتابين حيث التركيب الإضافي في الواحد والارتهان إلى عنوان فرعي (صفحة من الأدب العصري في الحجاز) في الأول و(دراسات في أدب الجزيرة العربية المعاصر)، واصرار الكتابين كليهما على اضفاء سمة التجديد والحداثة على مضمونهما. غير ان الكتابين يفترقان في اشياء أخرى، في اقتصار وحي الصحراء على اقليم الحجاز، دون غيره من اقاليم الجزيرة العربية أو المملكة العربية السعودية التي كانت تخطو في ذلك العهد خطواتها الأولى، وتوسيع (ثقافة الصحراء) لتشمل الجزيرة العربية. * في اعتقاد د. أبوبكر باقادر - ان غياب الصحراء هو الذي استدعى حضورها وورقة بافقيه فيها كثير من الشفافية والمواجهة، فيما ترى د. فاطمة الياس ان ثقافة الصحراء يذكرها بالتيارات الأدبية لعبدالله عبدالجبار. أما بالنسبة للنماذج المقروءة ودلالاتها التنويرية فيلاحظ عليها تكرار نفس الشروحات. * اتفاق واستفهام من علي المالكي حول ورقة بافقيه حيث يتفق معه حول تميز الخطاب النقدي لدى البازعي ولكنه يتساءل لماذا غلب المنهج التاريخي على كتابة الورقة. يقف مع بافقيه عند عنوان الكتاب حيث يرى ان هذا المصطلح يدور في فلك ضيق من الاقليمية، ويجب ان نعترف ان البازعي استطاع قراءة نصوص أثارت جدلاً. * وفي غمرة الاتفاق والاختلاف مع ثقافة الصحراء تأتي د. لمياء باعشن لتعتبر ان عنوان الكتاب يَعِد بالكثير ولا يفي إلا بالقليل، وهناك تجاهل لتوثيق المصادر، ثم ان معظم النصوص التي وردت في الكتاب تم جمعها من الملاحق الأدبية. ولكن ومع نقدها للكتاب إلا انها تقول: إني أكن للبازعي كل احترام ولا أشكك في مكانته، ولكن النقد للكتاب وقيمة الكتاب في التوثيق. * ولربما كان هذا الرأي قد أثار حفيظة المداخلين حيث يفاجأ سحمي الهاجري من د. لمياء باعشن وهي الأكاديمية المعروفة الرصينة، فإذا نقدت أعمال سعد فما تقول عن الهراء؟!! عنوان الكتاب لم يحضره إلا بعد ان ألقى هذه المحاضرات، أما قارئ الورقة فلقد كانت ورقته عبارة عن كم من بعث رسائل محضة فيها الحماس والشدة، وقد انحاز لنفسه أكثر من انحيازه للكتاب، هناك تشابه بين وحي الصحراء وثقافة الصحراء، فالأول لكتاب حجازيين وهم مدنيون والثاني لكتاب أقرب إلى البداوية منهم للحضارة. * الكاتب عبدالله الشريف يرى ان الثقافة مفهوم واسع ويتساءل هل للصحراء ثقافة وماذا نقصد بهذه الثقافة؟! إذا كانت الثقافة التي نعنيها هي التي خلدها الأدب العامي أخشى أن نكون قد ورطنا أنفسنا في ثقافة عقيمة، وتساءل هل كان يريد بافقيه أن ننتمي إلى الصحراء أم نتخلى عنها؟! * ثقافة الصحراء كما تصفها الكاتبة سهام القحطاني ليست ثقافة للصحراء بل ثلة من تقاليد الصحراء لذلك لم يستطع البازعي التوصل إلى ثقافة للصحراء. وتساءلت هل الجغرافيا مكون أساسي للتجربة الأدبية؟ نعم مثل الأدب العباسي والمهجري، ولكن في المجتمع السعودي لا يُعد الموقع الجغرافي مؤثراً. * سعاد عثمان ترى ان د. سعد كتب بلغة طبية صحية، كتب عن ذاتية الخطاب القصصي وذاتية الفرد وانفصام الذات، حتى انه لم ينس الاهتمام بالحواس، ولقد اتحفنا بثقافة الصحراء. * تساءل وجيه من د. يوسف العارف حول اغفال بافقيه الإجابة على السؤال الرئيسي الذي تطرحه جماعة حوار وهو: أين التنوير في هذا الكتاب؟ يعتقد ان ذلك يظهر من خلف الشعر والسرد الذي قرئ في كتاب د. سعد، وكتابه ردة فعل وليس فعلا وهذا الكتاب في جزئية بسيطة منه يذكرنا بكتاب لمحمد السليم كتاب فني في الرسم - فيما يرى كامل صالح ان بافقيه اكتفى بقراءة حركية التاريخ لما حدث وورقته حاولت تجنب نقاش الاشكاليات الحادة، ولم يلحظ كامل الفرق بين كتابي وحي الصحراء وثقافة الصحراء. * الروائي والصحفي محمود تراوري يرى اننا نعاني من الخلل المعرفي ببعض المصطلحات وكثيرون يذهبون إلى ان البداوة عرف بينما هي حالة اجتماعية منتشرة في كل العالم. * وعطفا على ذي بدء يعلق الأستاذ حسين بافقيه على الآراء التي اعقبت قراءته حيث الاتفاق والاختلاف والايضاح. حيث يقول: ان مفهوم البداوة والصحراء مفهوم واسع لا أستطيع أن ألم به، وأحببت الحديث عن الجانب الثقافي، أما عدم تحديد المصطلحات فهو موجود حتى عند ابن خلدون. وفي إشارة إلى مداخلة علي المالكي حول غلبة المنهج التاريخي على الورقة قال: لم أكن مؤرخا أحاول وأحاول أن أقرأ الأفكار وابحث. وفي إشارة منه إلى الملاحظة التي أوردتها د. لمياء باعشن على الكتاب وهو انه تجميع مقالات: قال لا يُعَد ذلك عيباً فهذا موجود لدى طه حسين (حديث الأربعاء) وغيره في الثقافة المصرية وهي كتب تنويرية مهمة والتنوير يمكن ان يطرق من عدة طرق. وفي تعليق على مداخلة سحمي الهاجري قال: طبيعي ان اقف عند العنوان والكتاب يقرأ من عنوانه.