ضبط 4 مخالفين لنظام البيئة لاستغلالهم الرواسب في منطقة مكة المكرمة    "شاي بالحليب" يوثق رحلة محمد يوسف ناغي    ارتفاع قيمة صادرات السعودية من التمور خلال الربع الأول من العام الحالي بقيمة إجمالية بلغت 644 مليون ريال    أمير عسير يستقبل السفير العماني لدى المملكة    الكويت: ضبط 24 شخصاً بتهمة ممارسة الرذيلة ومخالفة الآداب العامة    سمو أمير منطقة تبوك يترأس اجتماع لجنة الحج غداً    مغادرة أولى رحلات المستفيدين من مبادرة "طريق مكة" من إندونيسيا    هيئة الصحفيين بمكة تنظم ورشة أدوات الإعلام السياحي غدا الاثنين    نائب أمير الشرقية يستقبل مدير فرع الهيئة العامة لعقارات الدولة    البنك السعودي الأول يدشن فرعه الجديد في مقره الرئيسي "برج الأول"    "زين السعودية" تسجل إيرادات بقيمة 2.5 مليار ريال للربع الأول من العام 2024    اليوم .. انطلاق فعاليات "المعرض السعودي الدولي للأخشاب ومكائن الأخشاب" في الرياض    التنوير وأشباه المثقفين الجدد    "التخصصات الصحية" تطرح مشروع تحديث التقويم التكويني المستمر    مختص مناخ ل "الرياض": المملكة بعيدة عن تأثيرات الانفجارات الشمسية    القوات المسلحة تشارك في تمرين "الأسد المتأهب"    لاعبو الشباب: هدف التعادل أحبطنا.. والأهلي استغل الأخطاء    الأدوية وأفلام الرعب تسببان الكوابيس أثناء النوم    الأرصاد: استمرار التوقعات بهطول الأمطار على عدد من المناطق    استقبال طلائع الحجاج بالهدايا وحزمة البرامج الإثرائية    مخاوف من انتشارها.. سلالة جديدة من كورونا يصعب إيقافها !    براعم النصر .. أبطالاً للدوري الممتاز    السعودية وتايلند.. تعزيز التجارة واستثمارات واعدة    اجتياح الاحتلال لرفح يوقف معظم المستشفيات    طبيبة سعودية تنقذ راكبة تعرضت للصرع على متن رحلة جوية    جمعية مرفأ تنفذ دورة "التخطيط الأسري" في جازان    محافظ الزلفي يزور فعاليه هيئة التراث درب البعارين    القبض على مقيمين لنشرهما إعلانات حملات حج وهمية    اكتشاف قدرات الأيتام    الذكاء الاصطناعي.. الآتي أعظم    انتكاس تجربة «إيلون ماسك» لزرع الشريحة    مركز الملك سلمان يواصل مساعداته الطبية والغذائية    مؤسس فرقة «بيتش بويز» تحت الوصاية القضائية    النزل التراثية بالباحة .. عبق الماضي والطبيعة    "هورايزون" و"بخروش" يفوزان بجائزتي النخلة الذهبية    أكبر منافسة علمية عالمية في مجال البحث العلمي والابتكار.. «عباقرة سعوديون» يشاركون في آيسف 2024    100 مليون ريال في المرحلة الأولى.. "جونسون كنترولز "تصدر" تشيلرات يورك" سعودية الصنع إلى أمريكا    توقيع اتفاقية تعاون وتقديم خدمات بين منصة وتطبيق متر ووكالة سمة للتصنيف    الماء    مصادر «عكاظ»: لا وجود ل «المسيار» أمام المحاكم.. تراخيص المكاتب «هرطقة»    كنو: موسم تاريخي    صحف عالمية:"الزعيم لا يمكن إيقافه"    خبراء صينيون يحذرون من تحديات صحية ناجمة عن السمنة    حذروا من تجاهل التشخيص والتحاليل اللازمة .. مختصون: استشارة الإنترنت علاج مجهول    حملة للتوعية بمشكلات ضعف السمع    وما زال التدهور يخيّم في الأفق..!    الشمري يرفض 30 مليون ريال.. ويتنازل عن قاتل ابنه بشفاعة أمير منطقة حائل    الطلبة الجامعيون وأهمية الاندماج في جميع المناطق    جودة النقد بين نور والهريفي    مساحات ثمينة    أول دوري للبادل في العالم.. وقفات ومقترحات    الإسقاطات على الكيانات !؟    أمير الرياض يتفقد المجمعة ويدشّن مشروعات تنموية    القيادة تعزي ملك مملكة البحرين    المدينة أول صديقة للتوحد بالشرق الأوسط    وزارة الحج تدعو لاستكمال التطعيمات المخصصة لحجاج الداخل    الأمير مقرن بن عبدالعزيز يرعى حفل خريجي جامعة الأمير مقرن    جامعة الأمير مقرن بن عبدالعزيز تحتفل بتخريج الدفعة السادسة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الدكان (1 )
حسين علي حسين
نشر في الجزيرة يوم 26 - 01 - 2005

عرفت ما تعنيه الدكان لأصحابها ولمن يتعاملون معها، عندما استاجر والدي - رحمه الله-، دكاناً في سوق العياشة، لتكون مركازاً يلتقي فيه بعملائه من الراغبين في تعمير أو ترميم منازلهم، لم يجلس والدي داخل الدكان سوى مرات قلائل، كان مجلسه دائماً أمامها، وكان يأتي في أوقات محددة ويذهب كذلك في أوقات محددة، وكنت أتناوب الجلوس داخل الدكان، مع أخي الأكبر، في ذلك الوقت كان القرش شحيحاً، كنا نبيع على الفلاحين وبسطاء الناس بالدين، أحياناً يعود لنا الدين، وأحياناً يتعسر، لكننا في كافة الأحوال لم نكن نلح على أحد.. كانت وصية الوالد أن نعطي، والقادر سوف يسدد والمعسر لن يعود، سوف يغلبه الحياء ولن يتوقف أمام الدكان في مقبل أيامه، إلا ليسدد ما عليه من الدين!.
وبفضل هذه الوصية كان الوالد يرفد الدكان بين حين وحين بالمزيد من البضائع، ولأنّ جبال الكحل تفنيها المراود، فقد أخذت موجودات الدكان تتناقص، حتى عجزت مواردها عن دفع أجرتها السنوية، التي يحين أوانها مثل كل الدكاكين في سوق العياشة وفي الأسواق المجاورة في الأول من محرم!..
ولكي أكون واقعياً فقد كنت اعتبر كل ما يدخل الدكان ربحاً، فكنت أقنع نفسي يومياً بشراء المزيد من الطوابع والمناظر الطبيعية وفي فترة الكساد، كنت أشغل وقتي بكتابة الرسائل، التي تخرج من الدكان كل يوم وتطير إلى كافة الدول العربية، وكل رسالة كانت تحمل كمّاً لا يستهان به من الغرام والسلام والكلام، ومعها كميات من الطوابع والصور، ولا يمضي وقت حتى تهلّ الردود، وعندما كثرت الرسائل استأجرت صندوقاً لتلقي الرسائل البريدية، وإمعاناً في الهروب من الدكان، كنت أذهب يومياً إلى البريد لأخذ الرسائل هذه الهواية العجيبة، كانت تستنزف موارد الدكان، لقد وجدت نفسي دون أن أدري متضامناً مع الفلاحين وغيرهم من بسطاء الناس على استنزاف الدكان، حتى أعلنت إفلاسها، وجعلت الوالد يقتنع بعد صبر طويل، دام أكثر من ثلاثة أعوام، أن الجلوس على المقهى أوفر، وأكثر متعة من الجلوس أمام الدكان!.
ماذا تمثل الدكان لدى أهل المدينة؟.. إنها كالسكن تمثل الكثير، فهي الرزق والأمان والأصدقاء.. كان صاحب الدكان يرفع شعار: (غلبونا بالفلوس وغلبناهم بالجلوس!)، لذلك لم يكن مدخل الدكان عادياً، كانت كافة الدكاكين - البقالات بالذات - يصعد إليها، ولا يصعد إليها إلا صاحبها أو أبناؤه أو الأصدقاء الذين يتناولون معه الفطور، أو (تلبيبة) الضحى، التي تتكون من الشريك والجبين والزيتون والحلاوة الطحينية والشاي.
وكان صاحب الدكان يفتحها مع تباشير الصباح، ولا يغلقها إلا مع صلاة العشاء، وكان أصحاب الدكاكين الكبيرة يأتيهم الطعام من المنازل في أطباق من النحاس أو الألمنيوم، أما أصحاب الدكاكين الصغيرة، التي لا تضم غير أصحابها، فقد كانوا يتناولون غذاءهم في سوق الطباخة، أو مما تحتويه الدكان من الأرزاق، لم يكن أحد يغلق دكانه إلا في الموعد المحدد، أما إذا أراد البقال الذهاب إلى التاجر أو المنزل، لظرف قاهر، فإنه يضع قطعة سميكة من القماش، تغطي واجهة الدكاكين، ليذهب ويعود من مشواره، دون أن يفقد شيئاً من موجوداتها، فالأمان كان يبسط ظلَّه على كافة المحلات، فلم تكن هناك أقفال ولا أبواب حديدية ولا أجراس مربوطة بالدفاع المدني!!.
كان البائع يتفاءل بأول زبون يقف أمام دكانه، فلا يدعه يذهب إلا راضياً، فقد كانت البيعة الأولى فال حسن، حتى لو كانت بثمن التكلفة، وكافة أصحاب الدكاكين كانوا ينظرون في الصباح الباكر بحنو إلى جيرانهم، وهم يبدؤون صباحهم بإرسال السلام على بعضهم، وهناك من يمر على جاره قبل أن يفتح دكانه، وهناك من يرسل زبوناً إلى جارٍ لاحظ أنه منذ فتح دكانه لم يبع شيئاً، مدعياً أن ما يريده الزبون موجود عند جاره، فالاستفتاح أو البيع بعد فتح الدكان، في ظن الجميع أنه سيجعل العجلة تدور بشكل اعتيادي، أما لو جاء الضحى ولم يبع أحد البقالين شيئاً، فإن القلق سوف يدخل إلى نفسه، القلق على البيت والقلق على حقوق التجار، الذين يمرون في أوقات محددة، لأخذ حقوقهم، أو تسجيل طلبات جديدة!.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.