هل من المستطاع إخفاء غوّاصة؟ ربما! إذ أفاد باحثون فرنسيّون أخيراً بأنّ غطاءً مطّاطياً مملوءاً بالفقاعات، ربما يجعل أجهزة ال «سونار»، وهي رادارات البحر، عاجزة عن رصد الغوّاصات. وفي صورة تقليديّة، تلجأ الغوّاصات العسكريّة التي لا تودّ أن يرصدها ال «سونار» إلى وضع غطاء ثقيل من البلاط العازل للصوت، يسمى «رداء عزل الصدى». وفي العادة، تبلغ كثافة تلك البلاطات المطاطيّة المثقّبة قرابة 2.5 سنتيمتر. وخلال العقد الماضي، أشارت بحوث إلى إمكان الحصول على درجات التخفّي ذاتها بفضل أغطية أرفع بكثير، مملوءة بالفجوات التي تمتص الصوت. وعند ارتطام الموجات الصوتيّة بها، تتأرجح تلك الموجات ضمن المساحات الخاوية للثقوب، وتكون داخل مادّة المطاط المرن، فيتبدّد الكثير من طاقة موجات الصوت، وفق وصف أورده فالنتين ليروي، وعالم فيزياء في جامعة «باريس ديديرو» في فرنسا، إضافة لكونه كبير مؤلّفي البحث عن غطاء خفاء الغوّاصات. مطاط وسيليكون وثقوب في المقابل، تطلبت معرفة طُرُق تعزيز الاستفادة من المواد المطاطيّة المثقّبة بهدف تخفّي الغواصات، إجراء عمليّات محاكاة افتراضيّة على الكومبيوتر، إضافة إلى تجارب مختبريّة عمليّة، وهي أمور تستهلك وقتاً طويلاً. ولتبسيط المشكلة، صمّم ليروي وزملاؤه مساحات خاوية اتّخذت شكل فقاعات كرويّة داخل مادّة مرنة، وتسبّبت كلّ فقاعة بارتداد الموجات الصوتيّة رهناً بحجمها وبمرونة المادّة المحيطة بها. وساعدهم ذلك التبسيط على استنتاج معادلة رياضيات لوصف طريقة تعزيز قدرة المادّة على تشرّب الصوت وموجاته وتردّداته. في خطوة تالية، صمّم الباحثون غشاءً من «الفقاعات»، يتكوّن من طبقة طريّة من المطّاط المصنوع من السيليكون، لا تزيد سماكتها عن 230 ميكروناً، ما يساوي جزءاً من مليون من المتر، أي ما يقارب متوسّط عرض الشعرة عند الإنسان. أمّا الفقاعات في الداخل، فكانت عبارة عن أسطوانات بعلوّ 13 ميكروناً وعرض 24 ميكروناً، وفصلت بينها مساحة 50 ميكروناً. صمت من تحت الماء في تجارب أجريت تحت الماء، أطلق العلماء ذبذبات صوتيّة على غشاء مرن مثقّب جرى تثبيته على لوح حديدي واكتشفوا أنّه يستطيع تبديد ما يزيد على 91 في المئة من طاقة الصوت الذي يرتطم به. وعلى غرار الرادار، يعمل ال «سونار» عبر بث موجات صوت ثم التقاط ارتدادها لتحديد شكل الجسم الذي ارتطمت به. وعندما يمتصّ الغشاء موجات ال «سونار»، لا يستطيع ذلك الجهاز اكتشاف ما يغطيه الغشاء. وفي مقال نشرته مجلة «لايف ساينس» العلمية، كشف ليروي أن فريقه أجرى تحليلاً عبر معادلات الرياضيات، فجاء متوافقاً مع عمليّات المحاكاة الرقميّة والاختبارات الفعليّة. ووصف ليروي الأمر بأنه «شيّق وجميل». ومن الناحية العملية، لم يكن غشاء الخفاء «صامتاً» تماماً، بل ارتد منه قرابة 3 في المئة من موجات ال «سونار». وعلى رغم أن تلك النسبة ليست كافية لكشف الغواصة، بل أنها تتبدّد عمليّاً، إلا أن العلماء يسعون إلى تطوير الغشاء كي يكون أكثر اكتمالاً. وفي الوضع الراهن، يتوقع ليروي وفريقه أن صنع دثار للغواصة بسماكة 0.16 إنشاً (4 مليمترات)، مع وجود فقاعات فيه بحجم ملليمترين ، يؤدّي إلى امتصاص قرابة 99 في المئة من موجات ال «سونار»، ما يخفّض الموجات الصوتيّة المنعكسة بقرابة 10 آلاف مرّة عن الغشاء الموصوف أعلاه.