المشهد الطبيعي، مصدر إلهام ما دام يمدّ فنانين كثيرين بأفكار ورؤى مختلفة ومتباينة. وهو نبع لا ينضب لعين الرسام ومخيلته. فهو يحمل بين جوانبه كل مقومات التشكيل من لون ومساحة وتوازن وغيرها، ولطالما كان موضوعاً أثير لدى الفنانين عبر تاريخ الفن ومدارسه واتجاهاته المختلفة. الرسامة أميرة مناح التفتت إلى ما يحمله المنظر الطبيعي من مقومات تشكيلية لا حدود لها، وكان مصدر إلهام لها عبر تجربتها الفنية منذ تخرجها في الفنون الجميلة في القاهرة عام 1990، وكان منطلقاً كذلك لأعمال عرضتها أخيراً في «مركز سعد زغلول الثقافي» في القاهرة، وهذه الأعمال تتراوح ما بين التجريد والمباشرة وتتعامل مع المشهد الطبيعي كخامة طيعة يمكنها أن تحمل ضمن ما تحمل من إيحاءات ورؤى مختلفة شيئاً من سلوكها الفني الذي ينحاز إلى اللون. إنها تستنطق المشهد ليبوح بكل ما فيه من إيقاع وتوازن وتناغم وسواها من مقومات العمل الفني التي تهدف إلى محاولة الاقتراب من ذهن المتلقي العادي وطريقته في قراءة اللوحة. فهي على عكس السائد تحاول أن تتحسس أذواق الناس وميولهم تجاه العمل الفني كي لا تشعر بالانفصال عن المجتمع الذي تعيش فيه. لذا فهي تحافظ قدر المستطاع على وضعها في منتصف المسافة بين وعي المتلقي العادي الذي يمتلك الحد الأدنى من الثقافة البصرية وغيره ممن يفهمون جيداً مقومات العمل الفني ويستوعبونه. تعلق الرسامة على هذا الأمر قائلة: «الناس في مجتمعاتنا متعطشون لفهم هذه اللغة، فالمجتمع ونظام التعليم عندنا لم يساعداهم على إنماء ثقافة الصورة، ناهيك عما يبثه الإعلام من أعمال درامية تحوي صوراً مشوهة ومبهمة للفن والفنانين، لذا فالأمر لا يحتمل أي تعال على أذواق الناس وثقافتهم، البسيطة. علينا أن نهبط إليهم لنرتقي بوعيهم وثقافتهم لا أن نجلس في برج عاج، أو أن نتعامل كما لو أن الفن هو ثقافة موجهة للنخبة فقط». وعادة ما تتعامل مناح مع المشهد الطبيعي من ناحية تشكيلية بحتة كحامل لمكونات اللون والظل والنور والتوازن والكتلة وغيرها. ويشكل اللون لديها البطل الرئيس في أعمالها عموماً، فهو الذي يحدد أبعاد اللوحة ويرسم ملامحها وليس الخط الذي تستخدمه أحياناً ولكن على استحياء. أما الخامة المفضلة لديها فهي خامة «الأكواريل» التي تستمتع بالعمل بها كما تقول على رغم صعوبة التعامل معها لكونها سريعة الجفاف على عكس الألوان الزيتية على سبيل المثال. غير أن هذه الصعوبة تحولت لدى الرسامة إلى ميزة كبيرة كأن تقول: «خامة الأكواريل تفرض عليّ السرعة في إنجاز العمل، وهي الطريقة المثلى لدفق الانفعلات مباشرة على سطح اللوحة وهو ما أميل إليه أكثر حتى أنني لا أستعين بالرسوم التحضيرية أو ما شابهها، بل أترك نفسي تماماً لهذه اللحظات الحميمة التي تجمعني بمساحة العمل البيضاء، معتمدة في الوقت نفسه ما تمدني به الذاكرة وما أستجمعه من مخزون بصري طوال الوقت».