يعمل الصرّاف فؤاد بخاري (50 عاماً) القادم من الجيل الثالث في مهنة الصرافة منذ أربعة عقود، إذ تعاقب على المهنة من زمن الأجداد، والذي عرّف الصرافة بأنها تبديل العملات وتوفير حاجات السوق من المال، أي بمثابة بنك مصغر. ويروي أن مهنة الصرافة في الحجاز كانت من أهم المهن وأخطرها في آن واحد، مبيناً أن أهميتها تعود إلى تعاملها مع الحجاج والزوار المختلفين في أعراقهم وعملاتهم، إذ تتطلب ضرورة وجود ما يقابل عملاتهم بالعملة المحلية، وصرفها لهم، كما أنها خطرة بسبب كثرة العملات المغشوشة والمزورة، والتي تتطلب دراية ومعرفة خاصة بالعملات وطرق تبادلها، خصوصاً وأن منطقة الخليج بصفة عامة، ومنطقة الحجاز بصفة خاصة، كانت العملة السائدة هي الريال الفرنسي، بما يعادل الدولار الأميركي في الوقت الحالي، إذ إن العملة الفرنسية تساوي 22 قرشاً سعودياً. يقول بخاري: «عند دخول الملك عبدالعزيز- رحمه الله - إلى الحجاز، كانت العملات العثمانية هي المتداولة بين الحجاج، إلا أن ضرورة تغيير المرحلة والتطورات التي طرأت على الدولة العثمانية جعلت الحكومة السعودية في تلك الفترة تسك عملة جديدة، وذلك بوضع ختم عليها أو كما نقول (دمَغ) عليها بكلمة الحجاز، وأصبحت هي العملة السائدة في حينها في منطقة الحجاز مكةالمكرمةوجدة والمدينة المنورة»، لافتاً إلى أن «الفائدة العظمى كانت عندما تحولت هذه العملات إلى ورقية». تحول العملة في عهد الملك عبدالعزيز والتعامل مع العملات المتنوعة التي كانت تأتي مع الحجاج في موسمي الحج والعمرة، جعلت من مهنة الصرافة في ذلك الوقت أمراً متعباً، إذ تتطلب تطويرها وإصدار عملة متداولة بين الحجيج في فترة الحج، لذلك أطلق الملك عبدالعزيز في حينها عملة ال 10 البيضاء، والتي كانت تستخدم في موسم الحج فقط. ويضيف: «بعد أن توفي الملك عبدالعزيز، أكمل مسيرته الملك سعود، الذي أمر باستخراج عملتي ال 10 البيضاء، والخمسة، وهما ورقتان، وبعد عامين تم إصدار الريال في موسم الحج، وكان لدى الحكومة السعودية بُعد نظر جميل جداً، إذ إن فئتي الريال من الخمسة وال 10، كُتبتا بست لغات». وفي ما يخص العملة الفلسطينية الورقية وبداية الأزمة الإسرائيلية، يوضح فؤاد بخاري أن الحجاج الفلسطينيين كانوا يغيرون عملتهم بسندات مصرية قبل القدوم إلى الحج، وذلك لتلافي العملة الإسرائيلية وبعض الحالات التي تسبب التزوير. ويشير إلى أن أغلى عملة كانت في العهد القديم، هي «الجنيه الذهب والذي يزِن ثمانية غرامات، أو كما كنا نطلق عليه، الجنيه الأعور»، ويؤكد أنه ورث من أجداده عملات تعود إلى عصر الجاهلية، وعملات قبل عهد الرسول محمد صلى الله عليه وسلم، إضافة إلى عملات العهد الأموي والعباسي والفاطمي، «ولا أسمح لأي شخص بتصويرها أو حتى النظر إليها، بسبب خوفي الشديد عليها. وقد عرض الكثيرون عليّ مبالغ ضخمة لشرائها، لكني أرفض لأن القاعدة في مهنتنا أن البائع خسران».