يخسر الشباب والأهلي في المشوار الآسيوي في دور ربع النهائي، فيخرج من يحدثك عن الهلال، ويقفز آخر يتغني بالنصر والاتحاد! ويصمت المكان لحظة، فيعود صديقنا إلى الوراء كمن يستعد لإطلاق قذيفة مدفعية، ويتكئ على المسندة ويبتسم ابتسامة ساخرة ويقول: «العالمية.. صعبة قوية». الساحة الرياضية «مستفزة» تنتقي أسوأ معايبك لمعايرتك بها في كل مرة «تخسر»، اللغة المستخدمة هي لغة «الإيذاء اللفظي» وأحياناً تصل إلى مرحلة «التصفية اللفظية»، يظلون يقرعونك ببطاقة حمراء نلتها يوم أن كان برج الرياض المعلم الأساسي للعاصمة، يذكرونك بخطأ تحكيمي يوم أن كانت البيوت في شارع المسفلة من طين، ولو سمح لهم الوقت القصير أمام «سعة ذاكرتهم» لاستدعوا الكبش والصاروخ ويوم أن كان عيد حارساً بين الخشبات الثلاث. حال التمسك بالتاريخ لا تستمر فبعد أن يسيل مداد الذاكرة لدى «صاحب المجلس» ويصبح التاريخ حجر زاوية في رؤيته يستدعيه، وصورة ماجد عبدالله وهو يرتقي ليسدد الكرة برأسه أو يتجاوز طقم الصين كله تتماثل أمامه.. يتهور ويلوح بإلغاء الاحتراف والعودة إلى الهواية معدداً إنجازات الأخضر في ذلك الزمن الجميل، فيقفز «برج الرياض» الجالس في زاوية المجلس ويعيد تعديل جلسته بعد أن يقذف بطرف شماغه إلى أقصى كتفه ويقول متحمساً: «هذا فكر قديم يا طويل العمر، لا يمكن أن ينفعنا بهللة». يحاول «طويل العمر» أن ينفض غبار التاريخ ويعيد تكوين رؤيته من جديد ويفكر بهدوء ليقول لنفسه: ربما، يقاطع «برج الرياض» حال الصدمة التي أصابت المكان، ويواصل: «أنت إلى الآن تفكر في أيام الأبيض والأسود ... الآن زمن الاحتراف والمادة والصناعة». تمر فناجيل القهوة على المجلس المترامي الأطراف وسط «سواليف» عن ألمانيا وملعب إليانز والسانتياغو برنابيو وصناعة المواهب.. تشعر بثورة فكرية جديدة تسود المكان، ورغبة في الخروج من الواقع المر باستدعاء الفكر الحديث والعمل الدؤوب والاعتماد على الإمكانات البشرية الرفيعة.. تشعر أن الجلوس أصحاب شعور شقراء حتى ذاك القابع في الزاوية.. تسودك حال من التفاؤل بأن الجالسين من أصحاب القرار، أصحاب فكر غير تقليدي، بعيد عن تلك الرؤية القديمة التي أكل الدهر عليها وشرب. فجأة يظهر على التلفاز الكبير في وسط المجلس لقطة من مباراة الأهلي وسيول الكوري .. ليهز «برج الرياض» فنجاله ويقول: «قايل لكم.. صعبة قوية».. يزداد الصخب من جديد ويعود عفريت «الأبيض والأسود» ليزيل «الشعور الشقراء» من على «الرؤوس» معيداً «العقال» إلى «العقول».. أضع حينها يدي على قلبي خشية أن يتهور أحدهم ويستخدم «عقاله» في جلد «عقول» الجالسين. [email protected] aljabarty@