الشركات المنتجة للزيت والسكر والسمن تعلن عن منتجاتها لجذب عيني المشاهد الذي يحمل كذلك لقب «مستهلك». ومكاتب العقارات والمقاولات تعلن عن الشقق والفيلات والمكاتب لجذب اهتمام المشاهد الذي يحمل كذلك لقب «عميل». والمستشفيات والعيادات تعلن عن خدماتها على أمل أن تحظى باختيار المشاهد الذي يحمل لقب «مريض». لكن الوزارات والمصارف الوطنية الكبرى حين تعلن عن خدماتها، ماذا يكون الهدف؟! شركات الزيت والسكر والسمن لا أول لها ولا آخر، وكذلك شركات البناء والمقاولات التي تعمر بها ربوع المدن. أما المستشفيات والعيادات التي يمكن موازناتها ان تنظم حملات إعلانية، فمنتشرة كذلك في كل صوب لمن يملك. وهذا يعني أن المشاهد - سواء كان مستهلكاً أو عميلاً أو مريضاً - يجد نفسه محظياً بالقدرة على الاختيار بين عشرات الاختيارات التي يتعرف إليها عبر الإعلانات. ولكن حين تعلن الحكومة عن نفسها، يجد المشاهد، الذي يحمل ألقاباً عدة يختلف حولها البعض في موقف لا يحسد عليه. فبالنسبة إلى البعض يحمل المشاهد لقب «مواطن»، وأحياناً «صاحب بلد»، وأحياناً يذيل الأخير بكلمة «سابقاً»، وهو في أي من هذه الحالات ما زال يجد نفسه مشدوهاً متعجباً عاجزاً عن الفهم كلما أدار التلفزيون، لا سيما في شهر رمضان، شهر الصوم والإعلانات، فيجد نفسه مستهدفاً من الحكومة، وكأن له حرية الاختيار. فهذه وزارة النقل تروج لقطاراتها باعتبارها الأكثر أماناً، والأوفر مالاً، والأسرع . ومع هذا، فإن القطارات الموجودة في مصر كلها تابع لوزارة النقل، أي أن المواطن إذا كان ينوي السفر بالقطار، لن يجد نفسه مرفهاً بالاختيار بين مقدم الخدمة هذا أو ذاك، فهو ملزم بقطارات وزارة النقل. مثل هذا الإعلان جعل البعض يتوقع بيعاً مستقبلياً أو خصخصة وشيكة لهذه الخدمة، ولم تراود أحدهم فكرة أن الحكومة تود تحسين صورتها في ما يختص بالنقل. وهذه وزارة الاتصالات تروّج لخدمة تركيب الهاتف الأرضي، الذي لا يتاح إلا من خلالها. اي أن المواطن الذي يقرر تركيب خط اتصال أرضي لن يفكر كثيراً قبل اللجوء إلى أقرب سنترال تابع لوزارة الاتصالات لسبب واحد ألا وهو أنه يعلم أنه لا خيار آخر له. وعلى رغم ذلك، فإن إعلانات خدمات تركيب الخطوط الأرضية تبث عشرات المرات على مختلف القنوات الأرضية والفضائية الرسمية. ظاهرة الإعلانات التلفزيونية التي تحاول الحكومة من خلالها أن تروّج لنفسها تمثل لغزاً للكثيرين من المشاهدين الذين إن اجتمعوا على شيء، فعلى الإيمان بنظرية المؤامرة المعتادة، لفهم المسألة: «أكيد الحكومة تدبر لنا كميناً»، «يظهر أن الحكومة بصدد بيع وسائل النقل العامة»، «اكيد فيه إن». عبارات كثيرة لا تعكس سوى شكوك. وعلى النقيض، فإن الجميع يفهم تماماً الغرض من نموذج آخر من الإعلانات الحكومية، مثل تلك التي تتسبب عادة في حال من الذعر المشوب بالترقب من قبل كل من يملك بيتاً، سواء كان قصراً أم كوخاً.