ولي العهد يتلقى رسالة خطية من رئيسة تنزانيا    مؤتمر أبشر.. الابتكار والتحول الرقمي    زيلينسكي: مقترحات إنهاء الحرب في أوكرانيا قد تُعرض على روسيا خلال أيام    أمير جازان يستقبل القنصل العام لجمهورية السودان    4658 حالة إسعافية بالجوف    مشكاة يشارك في جناح الطفل بمعرض جدة للكتاب 2025    الأمان المجتمعي يبدأ من الحوار    الإيمان يولد من المحبة لا من الخوف    اخطب لابنتك ولا تخطب لولدك    المنتخب السعودي يتوج بطلًا لكأس الخليج تحت 23 عاماً    القادسية يستنجد بخبير أيرلندي    عبد العزيز بن سعد يطلع على خطط هيئة تطوير حائل    السعودية تدين مصادقة الاحتلال على بناء 19 مستوطنة في الضفة    أبها يحافظ على الصدارة.. وسباق الهدافين يشتعل بين سيلا سو و نوانكو    نائب أمير المنطقة الشرقية يطلع على برامج وجهود جمعية هداية للدعوة والإرشاد    تعليم الطائف يؤكد أهمية الشراكات في تطوير الأداء التعليمي وتحقيق الاستدامة    غزة: وفاة رضيع بعمر أسبوعين نتيجة البرد الشديد    هيئة العقار تباشر إجراءات ضد 25 مطورا خالفوا أنظمة البيع على الخارطة    أمير المنطقة الشرقية يرعى حفل جائزة «نواة» 2025    أمير حائل يستقبل رئيس كتابة العدل بالمنطقة    تجمع القصيم الصحي ينال الاعتماد البرامجي للتخصص الدقيق في طب العناية الحرجة للكبار    حقوق الإنسان ب"التعاون الإسلامي" تؤكد أولوية إشراك الشباب في العمل الإنساني وبناء السلام    زين السعودية تطلق باقة صنع في السعودية لدعم التحول الرقمي للقطاع الصناعي    أمير جازان يستقبل مدير عام حرس الحدود    القحطاني: المقاطع المتداولة عن غرق مواقع في الرياض غير صحيحة ولا تعكس واقع الحالة المطرية    تركيا تقول إنها أسقطت طائرة مسيرة غير خاضعة للرقابة    سعود بن طلال يكرّم الفائزين بجائزة الأحساء للتميّز    مؤشر الدولار ينخفض بنسبة 0.2 بالمئة    ورشة نقدية تقرأ الجمال في «كتاب جدة»    «الدارة» ترصد تاريخ العمل الخيري بمكة    كانسيلو والبليهي.. لحظة مرحة تحولت إلى جدل    المطر في الشرق والغرب    رئيس الوزراء الأسترالي يواجه ضغوطاً إسرائيليةً بعد هجوم بونداي    السكتيوي: بالانضباط التكتيكي هزمنا الإمارات    نجاح ترميم مجرى الدمع بالمنظار    38 مليون عملية إلكترونية عبر «أبشر» خلال شهر    إغلاق موقع مخبوزات مخالف في جدة    انطلاق تمرين مواجهة الكوارث البحرية الخميس    قطع شرايين الإمداد الإنساني.. «الدعم السريع» يعمق الأزمة بالتصعيد في كردفان    لبنان عالق بين التفاوض واستمرار التصعيد العسكري    «جوارديولا».. رقم تاريخي في الدوري الإنجليزي    (الرياضة… حين تتجاوز حدود الملعب)    شراكات في صناعة السينما بمهرجان البحر الأحمر    اختتمت مشاركتها في المعرض بمدينة ميلانو الإيطالية.. السعودية تبهر زوار «أرتيجانو آن فييرا» بعمقها الحضاري    ضمن أعمال منتدى تحالف الحضارات.. مناقشات دولية في الرياض تعزز الحوار بين الثقافات    الأمير فيصل بن خالد يرعى توقيع 21 اتفاقية ومذكرة.. 40 ملياراً قيمة فرص استثمارية بمنتدى الشمالية    موجز    القيادة تعزّي ملك المغرب في ضحايا فيضانات مدينة آسفي    تعديل السلوك    وزارة الخارجية تعرب عن تعازي المملكة ومواساتها للمملكة المغربية جرّاء الفيضانات في مدينة آسفي    أمير منطقة الرياض يوجه الجهات المعنية بسرعة رفع تقارير نتائج الحالة المطرية    دواء مناعي يعالج التهاب مفاصل الركبة    علامة مبكرة لتطور السكري الأول    أسعار تطعيم القطط مبالغة وفوضى بلا تنظيم    الدكتور علي مرزوق يسلّط الضوء على مفردات العمارة التقليدية بعسير في محايل    نائب أمير الشرقية يستقبل مجلس «مبرة دار الخير»    دور إدارة المنح في الأوقاف    «الحياة الفطرية» تطلق مبادرة تصحيح أوضاع الكائنات    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



هذا الانتقال الذي قد يستغرق حياتنا
نشر في الحياة يوم 13 - 03 - 2013

يرتفع صوت الشكوى من كثيرين ممن رحبوا بالثورات العربية وشاركوا فيها ودعموها منذ عامين. يعلن البعض ان هذه الثورات تفتقر الى الرؤية والأيديولوجية والى الشخصيات القادرة على قيادة المرحلة، ويقول آخرون: نجح الشباب في إسقاط نظم سلطوية ولكن لا احد يبدو قادراً على رسم درب نسير عليه في اتجاه هدف ما. هل نفد صبرنا بسرعة؟ كم يستغرق التحول الديموقراطي من الوقت؟ وإذا كنا نعني بالتحول نهاية الركود الملازم لأنظمة سلطوية جثمت على بلادنا عقوداً طويلة وبزوغ مجتمعات ديناميكية، فذلك التحول قد يستغرق حياة جيل بكاملها.
فبينما توفر الأنظمة السلطوية طريقاً واحداً واضح الانحدار ويفتقر للإبداع، فإن المسارات الثورية وعرة وعسيرة ومليئة بالصعاب والعقبات، ذلك لأن الثورات أينما قامت تفجّر طاقات تفوق بحجمها وتأثيرها ما يكون قد جال في مخيلة القوى التي أشعلتها، واذا اعتقدت قوة سياسية بعينها أنها قادرة على السيطرة على هذه الطاقات وإدارة العملية بمفردها، فستدفع ثمن هذا الوهم. عندما نقرّ بأن المسارات الثورية هي التي تصنع نفسها وأنها قد تخرج علينا (وبنا تأكيداً) بابتكارات تنظيمية جديدة ربما تكون تنويعات على الديموقراطية، وانها قد تهدينا قادة جدداً لم نكن نتوقع انهم يحظون بمقومات القيادة (لأن مفهوم القيادة نفسه يتغير)، عندها نكون قد بدأنا باستيعاب عمق الانقلاب الذي تعيشه مجتمعاتنا. وقد يشكل ذلك بداية طريق نمضي فيه ونجرب خيارات قد نتراجع عنها في ما بعد. قد نخوض تجارب خاطئة قبل ان تتضح لنا جوانب الطريق. ولعل الدور المحوري الذي يمكن أن يلعبه المحللون والباحثون الآن من اجل إنارة هذه المسارات ليس تقديم الإجابات واقتراح الطرق على الشعب، فقد مضى هذا العهد، ولكن طرح الأسئلة الصائبة.
هل تمثل مرحلة التحول التي نمر بها الآن فترة استثنائية لأنها اللحظة التأسيسية للدولة والمجتمع الجديدين؟ ومن هذا المنطلق فهل يجب أن تحكمها قواعد ومعايير خاصة؟ هل نروج لنموذج معيّن من العمل لبناء مؤسساتنا عندما نشرع في كتابة دستور أو بناء مؤسسات للدولة الجديدة؟ هل نعتبر حكم الأغلبية العددية كافياً لإضفاء الشرعية على المؤسسات التي ترسم إطار الدولة وطبيعة النظام السياسي، أم أننا يجب أن ننظر لما فعلته مجتمعات أخرى في فتراتها الانتقالية وهو وجوب تمثيل جميع القوى السياسية ومكوّنات المجتمع في مثل تلك الهيئات التأسيسية مهما قل عددها أو نسبتها في المجتمع؟
في تونس ومصر واليمن وليبيا -وحتى ضمن المعارضة السورية التي ما زالت في معركتها ضد نظام مجرم- يصطدم خطاب التوافق الوطني وإعلاء المصلحة الوطنية فوق الاعتبارات الضيقة بالمكاسب والحسابات الحزبية أو الشخصية للمجموعات السياسية المختلفة، فهل نأسف لهذا الواقع ام ننسى لحظة الرومانسية الثورية ونسلّم بان هذا هو جوهر الديموقراطية السياسية وهكذا تسير معظم المجتمعات؟
هل القوى الديموقراطية، والليبراليون، والعلمانيون، واليساريون مجموعات من المثاليين سياسياً يحاولون تطبيق ديموقراطية نموذجية على غرار الديموقراطيات المستقرة في الغرب؟ هناك فجوة بين من يعتبرون أن الصرح الديموقراطي الجديد يجب ان يبنى حجراً حجراً وفق خطة هندسية موضوعة مسبقاً من ناحية، وبين القوى المحلية، وخاصة الإسلاميين وغيرهم من الجماعات التقليدية، الذين يريدون تشييد بناء على اساس ما يعتقدون انه الحقائق الاجتماعية في بلدانهم. المجموعة الأولى مشغولة بصياغة خطة مثالية بينما المجموعة الأخيرة تستعمل طرقاً سياسية ملتوية من اجل ترويض المجتمع وتطوير آليات للسيطرة عليه. يقوم الإسلاميون والتقليديون برشوة الناخبين بالخدمات والبضائع ويحشدون جماهيرهم لاستعراض القوة وقت الحاجة ويدخلون في تحالفات تكتيكية مع القوى المعادية للثوار من اجنحة الدولة العميقة، يفرضون رموزهم على الإعلام، يخترقون الاتحادات العمالية ويصوغون قوانين تقيّد الحريات وتمس استقلال القضاء. من وجهة نظرهم هم يمارسون السياسة على ارض الواقع ولكن من وجهة نظر الفريق المقابل فانهم متهمون بخلق بيئة غير ديموقراطية في السوق السياسي حيث تفتقر قواعد المنافسة للنزاهة والإنصاف.
يعتقد البعض ان الطمع الذي أبداه الإسلاميون في الوصول إلى السلطة يقلل من مصداقيتهم ولذلك يجب أن يتركوا لتحمل كل العواقب، والبعض الآخر يقول ان المجتمعات لا تستطيع تحمل هذا، فالاقتصاد على وشك الانهيار والمخاطر الأمنية في تزايد والثمن الذي تدفعه الشعوب صار باهظاً. كيف يمكن في هذا المناخ أن نحافظ على قواعد الديموقراطية السياسية؟
ان لم يكن هناك طريق مختصر حتى نصل الى ديموقراطية مستقرة فكيف يمكن على الأقل ان نحمي بعض القطاعات الحيوية في الدولة من تغوّل السياسات السلطوية مرة اخرى؟ طالب البعض مثل رئيس وزراء تونس بتكوين حكومة تكنوقراط (خبراء) بدعوى ان ذلك يحقق المصلحة العليا الوطنية. ما هي الشرعية التي سيحكم بها التكنوقراط؟ نتفق جميعاً على ان الشعوب عندما قامت بالثورات لم تواجه قوات الشرطة من اجل اقامة دولة اسلامية او علمانية، وانما من اجل الحرية بالاضافة الى الحق في الحياة الكريمة والوظيفة والسكن وبناء اسرة ومستقبل. وفي اغلب الظن ستحصل أي حكومة تعمل على تحقيق هذه المطالب على شرعيتها إذا نجحت في ادائها. ولكن هل يمكن ان تنجح حكومات التكنوقراط، ام ان مثل هذه الاختيارات السياسية الضخمة والسياسات المثيرة للجدل تحتاج للاحزاب والمجموعات السياسية المستندة على دعم وسط قطاعات من الشعب؟
هذه عينة من الأسئلة المطروحة علينا في بحثنا عن الاستراتيجيات الصحيحة. وهنا يأتي دورنا في المؤسسات البحثية العربية في تحفيز النقاش بين المفكرين والنشطاء والسياسيين حول دور الدولة وأساليبها في التعامل مع المطالب الاجتماعية وقدرة المجتمع المدني على مراقبتها ومساءلتها ودور الجيش والأمن في مجتمع حر ومسؤولية الحكم السياسي في إدارة التنوّع الثقافي والقومي والديني والعديد من الأسئلة الأخرى، للوصول الى رؤى أصيلة واجندات محلية قائمة على ترسيخ التغيير واحتضانه وليس الركود (في ثوب الاستقرار). المهمة الأولى في هذه المرحلة هي توفير مساحة محايدة تستطيع ان يجتمع فيها كل الأطراف لتبادل الآراء بعيداً من الحسابات الانتخابية والمكاسب التكتيكية. قد لا نستطيع ان نتجنب الأخطاء بالرغم من هذه المعرفة ولكنها سلاحنا لفهم ما يحدث حولنا وصمام أمان ضد اليأس من المستقبل، الذي وبالرغم من وعورة الطرق اليه، يبدو، على البعد، مشرقاً.
* كاتبة سورية ومديرة مبادرة الإصلاح العربي


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.