نتائج النقل الداخلي للمعلمين الخميس.. و3 أيام للاعتراض    أمير تبوك ينوه بجهود القيادة في خدمة ضيوف الرحمن    سعود بن نايف: رؤية المملكة أسهمت في تحسين جودة الحياة    أوبك تبقي توقعاتها بنمو قوي للطلب العالمي على النفط    1139 مستثمراً بريطانياً في المملكة    أمير القصيم: تطوير القدرات البشرية يحظى بعناية كبيرة من القيادة    الاتحاد الأوروبي يوسع العقوبات على إيران    وزير الخارجية: استمرار العدوان الإسرائيلي أضعف مصداقية النظام الدولي    سعود بن بندر يثمّن جهود هيئة النقل    خادم الحرمين يرحب بضيوف الرحمن ويوجه بتقديم أجود الخدمات    سفيرة المملكة في واشنطن تلتقي الطلبة المشاركين في آيسف    «الداخلية» و«سدايا» تطلقان جهازاً متنقلاً لإنهاء إجراءات المستفيدين من مبادرة «طريق مكة»    شرف الخدمة    «كاوست» تطلق مبادرة المدارس الخضراء    خلق فرص العمل وتدميرها    الأمن والاستقرار    ترأس اجتماع لجنة الحج بالمنطقة.. أمير تبوك يؤكد اهتمام القيادة براحة ضيوف الرحمن    وزارة لتشجيع زيادة المواليد بكوريا الجنوبية    واتساب تطلق تصميماً جديداً    الوجه الآخر لحرب غزة    المجون في دعم كيان صهيون    الاحتراف تحدد مواعيد تسجيل اللاعبين في دوري روشن و"يلو"    المان سيتي يكسر عقدة ملعب توتنهام الجديد وينفرد بصدارة الدوري الإنجليزي    الهلال والنصر.. والممر الشرفي    ريال مدريد يحتفل بلقب الدوري الإسباني بخماسية في شباك ديبورتيفو ألافيس.. وفينيسيوس يُسجل هاتريك    كأس إيطاليا بين خبرة اليوفي وطموح أتالانتا    لجلب صفقات من العيار الثقيل.. النصر يعتزم الاستغناء عن 3 أجانب    في ختام الجولة 32 من دوري" يلو".. الصفا يستقبل الجبلين.. والعدالة في مواجهة العين    رموز رياضة المدينة    حسام بن سعود يرعى حفل تخريج الدفعة ال 18 من طلاب وطالبات جامعة الباحة    نائب أمير مكة يستقبل عدد من اصحاب السمو والمعالي والفضيله    أهمية الاختبارات الوطنية «نافس» !    شرطة الرياض تقبض على مروجي حملات حج وهمية    الهواء داخل السيارة يحتوي مواد كيماوية ضارة    حالة مطرية في معظم المناطق حتى السبت    وزير العدل يبحث مع رئيس المحكمة العليا في أستراليا سُبل تعزيز التعاون    الملك سلمان: خدمة الحرمين ورعاية قاصديهما من أولويات المملكة    طموحنا عنان السماء    أمير تبوك يثمّن إهداء البروفيسور العطوي جامعة تبوك مكتبته الخاصة    انطلاق برنامج الرعاية الأكاديمية ودورة البحث العلمي في تعليم الطائف    ..أنيس منصور الذي عاش في حياتنا 2-1    مكانة بارزة للمملكة في عدد مقاعد «آيسف»    تمكين المواهب وتنشيط القطاع الثقافي في المملكة.. استقبال 2200 مشاركة في مبادرة «إثراء المحتوى»    محتوى الغرابة والفضائح !    ليس لأحد الوصول    بلادنا وتحسين إنتاجية الحبوب والفواكه    الرؤية والتحول التاريخي ( 2 – 4)    حمام الحرم.. تذكار المعتمرين والحجاج    "طريق مكة"    ( قلبي ) تشارك الهلال الأحمر الاحتفاء باليوم العالمي    الكلام أثناء النوم ليس ضاراً    تأثير العنف المنزلي على الأطفال    مواد كيميائية تسبب السرطان داخل السيارات    الحرب تركت مجتمعًا مدمرًا    5 أزمات أمام القادة العرب في قمة البحرين    5 محاور لأدوات الإعلام السياحي بهيئة الصحفيين بمكة    5.8 مليار لصيانة المساجد خلال 5 سنوات    مستشفى الملك سعود بعنيزة ينهي معاناة"خمسينية" من تشنجات متكررة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



«مستوطنة العقاب» لفرانز كافكا وقدر الإنسان
نشر في الحياة يوم 27 - 11 - 2012

تدور أحداث «مستوطنة العقاب» لكافكا، في جزيرة استوائية غائمة، كما أن المؤلف لا يعطي شخصياته الرئيسة أيَّ أسماء. ومن بين هذه الشخصيات شخصية المسافر، ذلك الغريب الذي كان يمر بالمكان صدفة فيصبح -بسبب ما شهده بأم عينيه- شاهداً على الأحداث تروى من وجهة نظره، ويكون بالتالي أشبه بلسان حال القارئ نفسه.
وهذا المسافر يحدث له عند بداية هذه القصة أن يشهد عملية إعدامٍ الغريبُ فيها أن آلة التنفيذ عبارة عن جهاز شديد الغرابة والتعقيد يعاقِب المدان في شكل فريد من نوعه. طبعاً لا يفهم المسافر هذا كله من تلقائه، بل كان إذا استبد به الفضول إزاء ما يشاهد، يصغي إلى أحد الضباط ليشرح له الأمر. يتبين لمسافرنا منذ البداية، أن الضابط مولع بهذه الآلة، ضليع في تفاصيل تشغيلها، مناصر لها من الناحية التقنية، لكنه كذلك مؤيد لها من الناحية المعنوية والأخلاقية، خصوصاً أنها من اختراع القائد السابق، الذي بذل جهداً لصنعها. وخلال الحديث الذي يدور حول هذه الآلة وفوائدها وأسلوب عملها بين الضابط والمسافر، يلاحَظ أن المحكوم نفسه يصغي إلى الحديث وهو مقيد بيد واحد من الحراس.
لكنه لا يبدي أيَّ رد فعل إنساني، وكأن الأمر لا يخصه: فلا تبدو على وجهه سوى سمات البله والبلادة... ويبدو واضحاً أن أحداً لم يكلف نفسه جَهْدَ إعلامه مسبقاً بأنه محكوم بالإعدام، وبأن التنفيذ سيكون بتلك الآلة الغريبة، بل سرعان ما ندرك أن أحداً لم يحاكَم في حضوره، وأن أحداً لم يطرح عليه ولو سؤالاًَ، أو حتى استمع إليه. كل ما في الأمر أن الضابط الذي كان حاضراً هو الذي أعلن الحكم، وهذا النوع من الحكم يكون عادة من دون استئناف.
وهنا، وإذ نعرف هذا من طريق الضابط الثرثار، نلاحظ كيف أنه لا يتوقف أمام المسافر عن امتداح هذا النوع من العدالة، في الوقت الذي يسهب في الحديث عن طريقة عمل الآلة: فالمحكوم سوف يُربط عارياً الى ما يشبه السرير الذي يطوى على نحو معين، فينغلق عليه غطاء مزود بأبر زجاجية حادة تكون مهمتها أن تحفر فوق جسد المحكوم العاري عبارة تقول «كرّم رئيسك». ويحدث -كما يخبرنا الضابط من طريق إخبار المسافر- أن المحكوم وهو في ذلك الوضع يبدأ، بعد مرور الساعات الست الأولى على تنفيذ الحكم، بقراءة العبارة وتفسيرها، إذ صارت جراحاً تغوص في جلده... غير أنه لن يفسر أو يقرأ بحزن أو ألم، بل وهو يشعر بأقصى درجات اللذة. ويموت المحكوم عادة بعد انقضاء 12 ساعة على بداية تنفيذ الحكم، لكنه لا يموت إلا وقد تحرر تماماً. وإذ يصل الضابط في شرحه إلى هنا، نفهم أنه الآن يعتمد على المسافر كي يُقنع المحكوم، الذي كانت البلاهة لا تزال مرسومة على وجهه، بصواب هذا الأسلوب وبفوائد الآلة وعدالتها. ولكن بما أن المسافر يسارع إلى التعبير عن عدم موافقته، لا يكون أمام الضابط إلا أن يطلق سراح المحكوم، ثم يلتفت إلى الآلة ويبدأ بتعديل الجملة التي تحفرها فوق الجلد، بحيث تصبح «كن عادلاً»، وما إن ينتهي من إحداث ذلك التعديل، حتى يتعرى ويكسر سيفه ثم يتمدد داخل الآلة ويشغّلها. وبعد حين، وبعد أن تكون الآلة قد اشتغلت أمام ناظرَيْ المسافر كما ينبغي لها أن تشتغل، تتوقف عن عملها البطيء بشكل مباغت، وبدل أن تحفر العبارة على جسد الضابط بتمهل، تخرق جسده تماماً، بحيث يموت أمام أنظار الحاضرين من دون أن يكون فِعْلُ التحرر قد طاوله. أما المسافر، فإنه يصطحب المحكوم السابق والحارس ويعود الى المدينة، وهناك في مشرب الشاي، يبدأ بتأمل قبر القائد السابق، إذ إن القبر موجود تحت إحدى الطاولات في المشرب، ثم يشير تجاه رفيقيه إشارة تهديد واضحٌ أن الغاية منها ردعهما عن اللحاق به، وينسحب ليصل إلى مركبه من دون الآخرين.
تنوعت التفسيرات في شأن هذه القصة، وتنوع الحكم عليها من قبل النقاد والدارسين، غير أن كثراً من هؤلاء لم يترددوا أبداً في اعتبارها واحدة من أهم أعمال كافكا، بل رأى بعضهم أنها تلخص كل «الأفكار» التي ملأت دائماً تلك الأعمال، فهنا نجدنا أمام موضوعة الوحدة والألم والإدانة والعبث، غير أنه من الواضح أن ما من واحدة من هذه الموضوعات يمكنها أن تشكل وحدها مفتاحاً أساسياً كافياً لفهم العمل كلاًّ، إلى درجة أن نقاداً كثراً تساءلوا: هل ثمة في الاصل تفسيرٌ مطلق ونهائي ل «مستوطنة العقاب»؟ لكنهم لا يجدون جواباً قاطعاً لسؤالهم هذا. ومن هنا اكتفوا بالقول إن فرانز كافكا (1883–1924)، وكما في أعماله الرئيسة، اكتفى هنا، وبدلاً من أن يتنطح لإيصال رسالة ما، بأن يطرح الأسئلة، أو على الأقل -وفق تعبير واحد من هؤلاء النقاد- بأن يخلق مناخاً يجبرنا بالضرورة على أن نطرح على أنفسنا جملة أسئلة أساسية تتعلق بحياتنا وكينونتنا.
في رواية «كافكا عند الشاطئ» يتحدث الكاتب الياباني هاروكي موراكامي عن رواية «مستوطنة العقاب» لفرانز كافكا على لسان الراوي، ويرى أن الآلة في رواية كافكا وسيلة لتفسير نمط الحياة الذي نعيشه نحن البشر، ويسجل اللحظة التي يقرر فيها الإنسان تجاوز الماضي ببناء المستقبل.
كتب كافكا القصة عندما كان شاباً في السادسة والثلاثين ويحس بأن نهايته تقترب، بسبب إصابته المبكرة بالسل الذي قضى عليه شاباً، وهي من أعماله القليلة التي طُبعت ونُشرت خلال حياته.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.