النفط يرتفع.. و"برنت" عند 82.71 دولاراً للبرميل    بايدن سيستخدم "الفيتو" ضد مشروع قانون يلزمه بإرسال الأسلحة لإسرائيل    نتائج النقل الداخلي للمعلمين الخميس.. و3 أيام للاعتراض    سعود بن بندر يثمّن جهود هيئة النقل    1139 مستثمراً بريطانياً في المملكة    أمير القصيم: تطوير القدرات البشرية يحظى بعناية كبيرة من القيادة    أمير تبوك ينوه بجهود القيادة في خدمة ضيوف الرحمن    الاتحاد الأوروبي يوسع العقوبات على إيران    وزير الخارجية: استمرار العدوان الإسرائيلي أضعف مصداقية النظام الدولي    سعود بن نايف: رؤية المملكة أسهمت في تحسين جودة الحياة    خادم الحرمين يرحب بضيوف الرحمن ويوجه بتقديم أجود الخدمات    سفيرة المملكة في واشنطن تلتقي الطلبة المشاركين في آيسف    «الداخلية» و«سدايا» تطلقان جهازاً متنقلاً لإنهاء إجراءات المستفيدين من مبادرة «طريق مكة»    شرف الخدمة    خلق فرص العمل وتدميرها    الأمن والاستقرار    ترأس اجتماع لجنة الحج بالمنطقة.. أمير تبوك يؤكد اهتمام القيادة براحة ضيوف الرحمن    حسام بن سعود يرعى حفل تخريج الدفعة ال 18 من طلاب وطالبات جامعة الباحة    وزارة لتشجيع زيادة المواليد بكوريا الجنوبية    واتساب تطلق تصميماً جديداً    الوجه الآخر لحرب غزة    المجون في دعم كيان صهيون    الاحتراف تحدد مواعيد تسجيل اللاعبين في دوري روشن و"يلو"    المان سيتي يكسر عقدة ملعب توتنهام الجديد وينفرد بصدارة الدوري الإنجليزي    الهلال والنصر.. والممر الشرفي    ريال مدريد يحتفل بلقب الدوري الإسباني بخماسية في شباك ديبورتيفو ألافيس.. وفينيسيوس يُسجل هاتريك    كأس إيطاليا بين خبرة اليوفي وطموح أتالانتا    لجلب صفقات من العيار الثقيل.. النصر يعتزم الاستغناء عن 3 أجانب    في ختام الجولة 32 من دوري" يلو".. الصفا يستقبل الجبلين.. والعدالة في مواجهة العين    رموز رياضة المدينة    نائب أمير مكة يستقبل عدد من اصحاب السمو والمعالي والفضيله    طموحنا عنان السماء    أهمية الاختبارات الوطنية «نافس» !    شرطة الرياض تقبض على مروجي حملات حج وهمية    الهواء داخل السيارة يحتوي مواد كيماوية ضارة    حالة مطرية في معظم المناطق حتى السبت    وزير العدل يبحث مع رئيس المحكمة العليا في أستراليا سُبل تعزيز التعاون    الملك سلمان: خدمة الحرمين ورعاية قاصديهما من أولويات المملكة    بلادنا وتحسين إنتاجية الحبوب والفواكه    أمير تبوك يثمّن إهداء البروفيسور العطوي جامعة تبوك مكتبته الخاصة    انطلاق برنامج الرعاية الأكاديمية ودورة البحث العلمي في تعليم الطائف    ..أنيس منصور الذي عاش في حياتنا 2-1    مكانة بارزة للمملكة في عدد مقاعد «آيسف»    تمكين المواهب وتنشيط القطاع الثقافي في المملكة.. استقبال 2200 مشاركة في مبادرة «إثراء المحتوى»    محتوى الغرابة والفضائح !    ليس لأحد الوصول    الرؤية والتحول التاريخي ( 2 – 4)    «كاوست» تطلق مبادرة المدارس الخضراء    حمام الحرم.. تذكار المعتمرين والحجاج    "طريق مكة"    ( قلبي ) تشارك الهلال الأحمر الاحتفاء باليوم العالمي    الكلام أثناء النوم ليس ضاراً    تأثير العنف المنزلي على الأطفال    مواد كيميائية تسبب السرطان داخل السيارات    5 محاور لأدوات الإعلام السياحي بهيئة الصحفيين بمكة    إسرائيليون متطرفون يطالبون بإعادة احتلال غزة بعد انتهاء الحرب    5.8 مليار لصيانة المساجد خلال 5 سنوات    مستشفى الملك سعود بعنيزة ينهي معاناة"خمسينية" من تشنجات متكررة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



معرض أيمن يسري... هذا ليس «عَلَمْ»!
نشر في الحياة يوم 27 - 02 - 2012

يُعبّر أيمن يسري - ديدبان، في عرضه المفاهيمي الأخير بغاليري أثر، وبمعرض «إيدج أوف أرابيا» بجدة، بعنوان: «أنا أي شيء أنا كل شيء»، عن بعد غائر في جوانيته الدفينة، رحلته الإدراكية لاكتشاف نفسه، وبحثه المضني عن هويته، عن علم يرمز لكينونته كإنسان مستقل ومندغم في آن واحد. وبدءاً من العنوان يجد الزائر نفسه أمام المعنى المختبئ بين المجسمات الثمانية عشرة وعلاقتها بالعنوان المتماهي مع أناه المعلنة، غير أن هذا المعنى يلتبس مع اللغة البصرية لهيئة مجسماته الصفيحية المرآوية، فكيف تكون هذه الأسطح عاكسة لعالم الفنان الثابت والمتحول؟.
ما يمكن استيعابه ببساطة أن العمل الفني المتأسس في المعرض غير متحقق في إضافة قيمة جمالية، أو في تقديم تقنية مستحدثة في طي وفرد أو طرق أو وضع أو ترتيب المجسمات الصفيحية اللامعة، إنه عمل خارج عن التناسق المورفولوجي سواء الارتجالي أو المنظم لهذه الألواح. إذ يتحقق الاستدلال الفني في فكرة العمل المتمثلة في الشروحات المكتوبة في الكتاب التذكاري، الصادر عن دار المحترف السعودي، بمقدمة ومحاورة الناقد الهولندي روبرت كلايفر، وإن كان لم ينفذ إلى جوهر الرؤية - ومن ثم القراءة الاسترشادية له، ووضع الفكرة في سياق الفن البصري ضمن تركيبها المادي في الفراغ، أي السعي نحو تحويل الفن البصري إلى مغزى ثقافي وفلسفي ووجودي، فلغة الفن في المعرض غير متخلقة فقط في الأشكال والموجودات، بل هي مكرسة أيضاً في مفهومه ورؤيته وطرحه للتجربة والحالة الشعورية التي يخوضها، وهو جوهر ما قاله الفيلسوف الألماني «هيجل» من أن» الفن يدعونا للنظر فكرياً، وليس لهدف ابتكار فن جديد، ولكن ليعرفنا فلسفياً على ماهية الفن».
والمجسمات، ببعض الشك، تبدو في شكلها المطلق مظرفّات لرسائل كبيرة تتخذ عدة وضعيات، وفي تحوراتها السينوغرافية تبدو تمثلات جدلية تتأرجح بين الطي والفرد، إن لم تكن محيرة وباعثة على التساؤل. ولكن بشيء من التأمل المتيقن، وبعد التسليم للتخييل الإيعازي، ستبدو أعلاماً ورايات مموهة المعالم ومسلوبة الألوان في خامة عصية على التشكيل، لتظهر مختزلة وشاخصة، فاقدة القدرة على إحداث جمالية ما، إلا بما تعكسه من أشكال الأجسام التي تتراءى أمامها، إذ تنعكس صورة من يقف في مواجهة، ليشاهد شبحه المعكوس في هيئة مفاجأة، ومن ثم يستدرك حقيقته اللحظية بأنه علم بلا ملامح، يستكمل سيمائه وجنسيته من تشكيله البنائي الجديد. وإن حاول - الزائر - تلمس حدوده، فربما قطعت أصبعه بحواف معدنها الإستانليستيل الحاد، لأنها ذات متحفزة للدفاع عن نفسها المأزومة. كونها وادعة وفي اللحظة نفسها شرسة وماردة لا تتوانى، من فرط عزلتها، في دحر المقترب منها.
بهذا الديالكتيك الفلسفي يتقاطع شكل ومعنى العلم مع الذات التي أراد يسري أن يعبر عنها، فعَلَمه إذاً ليس كما نعهده، هو ليس علماً ليعلن بأي كيفية عن رمزية سياسية دولية، وليس علماً لكيان متجانس تحدده ألوان مختبرة ومحددة سلفاً، بقدر ما هو علامة تختصر عالم الفنان الخاص، عالمه الذي يحمل جزءاً من هويته الوجودية المعولمة، الآخذة من كل شيء والمتحققة في أي شيء... هكذا، ضمن هذا المحور التنظيري الشائك يمكن تُفهَم الحالة الإبداعية التي توصل إليها أيمن، صاحب شخصية «ديدبان». الشخصية التي ابتكرها لتكون مراقبة وساخطة وخرساء وفاضحة ولاعنة وبائسة. ومن هنا تكونت لفتة الفن الصادمة والهائمة في لجة الإحساس العميق (بورطته) التي عاقرها كإنسان معاصر منذ صغره، ولم يتنبه إليها إلا عندما جاوز الأربعين مع أزمة منتصف العمر، فالديدبان القابع بداخله وعى لذاته، فداهمته الفكرة وألحت عليه لينفذ المجسمات، باعتباره الشخصية القرين ذات الوجدان الحر في فطرتها البكر، غير عابئة بالاختبار الجمالي، بقدر ما تتقصى الإحالة للإدراك العقلي، لفهم المرئيات البصرية المبثوثة، وتفسيرها كموضوعات معنوية.
واستكمالاً لهذا المفهوم المباغت يتشكل العَلَم-الذات، متخذاً من لغة الطي آلية تفكك التحولات الفكرية والوجودية والإنسانية، متأثرة بما يدور في العالم من تقلبات دراماتيكية، لها أبعاد اقتصادية واجتماعية وأيديولوجية، كيما يولد منها الإنسان الراهن، ويجد نفسه في وضعية قانونية حتمية، مفروضة عليه في أي بقعة يعيش فيها من هذا العالم المحكوم بالدساتير والأنظمة المحددة لهويته الفردية وجنسيته السياسية، وبالتالي لحركة وجوده وتفاعله في الحياة.
من كل هذا، ومن إحساس الديدبان بانعدام القيمة وغياب الهدف، تستطيل لوحات الصفيح وتشمخ وتتلوى وتتكور وتتقوقع وتنبعج تحت ضربات مطرقته العنيفة، بل تصاب بالصدأ والسواد والموات، (وهي المتطاولة في 115 سنتيماً، مشيراً في مواربة لجمع 48 و 67، وهي أرقام لها دلالتها التاريخية في ثنايا الوجع الفلسطيني)، لكي تصوغ حالات درامية ساعية إلى تحقيق الخلود، هاربة من الحياة الباهتة الشبيهة بالاندفان، في خضم التصنيفات العرقية المُكبلة، فتبرز حقيقة الفرد اللامتوازن عديم الإحساس بالهدف.
ولكي تتكامل الفكرة، ويتجلى الطرح، فإن المعرض اشتمل على 49 إطاراً (بروازاً) بحجم موحد متوسط، بداخلها قصاصات ومغلفات صغيرة لمنتجات وصور لعلامات تجارية عالمية تمثل شركات ملابس ومأكولات سريعة ومنتجات استهلاكية، وأوراق بنكنوت لفئة الدولار الأميركي، صفدت كأعلام صغيرة، أواشتغل عليها في حيز فن طي الأوراق (الأوريغامي) في أبسط صوره، حيث لا يتعمد صنع أشكال جمالية جراء عملية الطي، إنما إحداث نوع من التركيب العفوي الذي يكمل المفهوم وراء تسمية المجموعة ب «عولمة». فهي أعلام الشركات العالمية التي يرزح تحت وطأة تحكمها المعيشي، وهي في الوقت نفسه هويته: مأكله، مشربه، تسليته، علاجه، ثقافته، ذاكرته، وجعه ووطنه الحقيقي.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.