وزير الحرس الوطني يرعى تخريج 2374 طالباً وطالبة من «كاساو»    السوق السعودية ضمن أول 10 دول في العالم المملكة أكثر الاقتصادات تسارعاً آخر 6 سنوات    26 % ارتفاع أعداد الركاب في المطارات لعام 2023    الصمعاني يشارك في قمة رؤساء المحاكم في دول G20    قمّة المنامة دعامة قوية للتكامل العربي والسلام الإقليمي    بمشاركة 11 دولة.. ورشة لتحسين نظم بيانات المرور على الطرق    أفضل الإجراءات وأجود الخدمات    5 استخدامات ذكية ومدهشة يمكن أن تقدمها القهوة    النفط يرتفع.. و"برنت" عند 82.71 دولاراً للبرميل    بايدن سيستخدم "الفيتو" ضد مشروع قانون يلزمه بإرسال الأسلحة لإسرائيل    جناح طائرة ترامب يصطدم بطائرة خاصة في مطار بفلوريدا    سعود بن بندر يثمّن جهود هيئة النقل    الاتحاد الأوروبي يوسع العقوبات على إيران    أمير القصيم: تطوير القدرات البشرية يحظى بعناية كبيرة من القيادة    خادم الحرمين يرحب بضيوف الرحمن ويوجه بتقديم أجود الخدمات    سفيرة المملكة في واشنطن تلتقي الطلبة المشاركين في آيسف    أمير تبوك ينوه بجهود القيادة في خدمة ضيوف الرحمن    «الداخلية» و«سدايا» تطلقان جهازاً متنقلاً لإنهاء إجراءات المستفيدين من مبادرة «طريق مكة»    إطلاق مبادرة «دور الفتوى في حفظ الضرورات الخمس»    سعود بن نايف: رؤية المملكة أسهمت في تحسين جودة الحياة    وزارة لتشجيع زيادة المواليد بكوريا الجنوبية    واتساب تطلق تصميماً جديداً    الوجه الآخر لحرب غزة    المجون في دعم كيان صهيون    الاحتراف تحدد مواعيد تسجيل اللاعبين في دوري روشن و"يلو"    المان سيتي يكسر عقدة ملعب توتنهام الجديد وينفرد بصدارة الدوري الإنجليزي    الهلال والنصر.. والممر الشرفي    ريال مدريد يحتفل بلقب الدوري الإسباني بخماسية في شباك ديبورتيفو ألافيس.. وفينيسيوس يُسجل هاتريك    كأس إيطاليا بين خبرة اليوفي وطموح أتالانتا    لجلب صفقات من العيار الثقيل.. النصر يعتزم الاستغناء عن 3 أجانب    في ختام الجولة 32 من دوري" يلو".. الصفا يستقبل الجبلين.. والعدالة في مواجهة العين    رموز رياضة المدينة    إعفاءات.. جمركية بالأسوق الحرة    صحة نباتية    أهمية الاختبارات الوطنية «نافس» !    شرطة الرياض تقبض على مروجي حملات حج وهمية    الهواء داخل السيارة يحتوي مواد كيماوية ضارة    حالة مطرية في معظم المناطق حتى السبت    وزير العدل يبحث مع رئيس المحكمة العليا في أستراليا سُبل تعزيز التعاون    الملك سلمان: خدمة الحرمين ورعاية قاصديهما من أولويات المملكة    بلادنا وتحسين إنتاجية الحبوب والفواكه    أمير تبوك يثمّن إهداء البروفيسور العطوي جامعة تبوك مكتبته الخاصة    انطلاق برنامج الرعاية الأكاديمية ودورة البحث العلمي في تعليم الطائف    ..أنيس منصور الذي عاش في حياتنا 2-1    مكانة بارزة للمملكة في عدد مقاعد «آيسف»    تمكين المواهب وتنشيط القطاع الثقافي في المملكة.. استقبال 2200 مشاركة في مبادرة «إثراء المحتوى»    محتوى الغرابة والفضائح !    ليس لأحد الوصول    طموحنا عنان السماء    الأمن والاستقرار    ترأس اجتماع لجنة الحج بالمنطقة.. أمير تبوك يؤكد اهتمام القيادة براحة ضيوف الرحمن    حمام الحرم.. تذكار المعتمرين والحجاج    تفقد محطة القطار ودشن «حج بلياقة».. أمير المدينة المنورة يطلع على سير الأعمال بالمطار    نائب أمير مكة يستقبل عدد من اصحاب السمو والمعالي والفضيله    ( قلبي ) تشارك الهلال الأحمر الاحتفاء باليوم العالمي    الكلام أثناء النوم ليس ضاراً    تأثير العنف المنزلي على الأطفال    مواد كيميائية تسبب السرطان داخل السيارات    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الرئيس السوداني السابق تحدث إلى "الوسط" من منفاه في الاسكندرية . أحمد الميرغني : الحل بتنازل الحكومة والمعارضة ولا تنافس بين عائلتي الميرغني والمهدي
نشر في الحياة يوم 26 - 10 - 1998

تولى السيد أحمد علي الميرغني رئاسة مجلس رأس الدولة رئاسة جماعية خلال فترة صعبة من تاريخ السودان الحديث، وذلك في أعقاب سقوط نظام الرئيس السابق جعفر نميري وانتخاب حكومة رئيس الوزراء السابق السيد الصادق المهدي التي لم تنعم باستقرار يذكر منذ انتخابها في 1986 حتى أطاحها الانقلاب العسكري الذي تزعمه الفريق عمر البشير في حزيران يونيو 1989.
وكان السيد أحمد الميرغني - وهو الشقيق الأصغر لرئيس الحزب الاتحادي الديموقراطي ورئيس التجمع الوطني الديموقراطي المعارضة الخارجية السيد محمد عثمان الميرغني - خارج البلاد حين أطاحه الانقلاب العسكري. وبقي يقيم منذ ذلك الوقت في الاسكندرية بسبب الصلات التاريخية الوثيقة التي تربط أسرته بمصر منذ حياة والده السيد علي الميرغني مرشد الطريقة الختمية التي ينتشر أتباعها في السودان ومصر واريتريا واثيوبيا. وظل يلتزم الصمت منذ إطاحته، مواصلاً بذلك عادته في الإقلال من التصريحات الصحافية. وبدأ في الآونة الأخيرة ينشط في الدعوة الى حل سلمي لمشكلة الحكم في بلاده، طارحاً نفسه "واسطة خير" على طريقة "الأجاويد" المعروفة في السودان. غير أن تعقيدات الأزمة هي وحدها القادرة على الاجابة عما إذا كان سينجح في أي مسعى يحتمل أن يبذله.
التقته "الوسط" أخيراً في لندن وأقنعته بالتطرق الى القضايا المسكوت عنها في الشأن السوداني، وسألته عن اتهامات عدة توجه اليه في شأن نيته العودة الى السودان تلبية لدعوة من الحكومة السودانية. وطلبت منه أن ينتقد أداء الاحزاب السودانية قبل أن يقع الانقلاب العسكري الذي وضع حداً للتعددية الحزبية في البلاد.
هنا نص الحوار:
يعتبر كثيرون أن القضية السودانية بلغت منعطفاً يلوح معه شبح اندلاع حرب أهلية. هل ترون أنتم أيضاً ذلك؟
- أنا من دعاة الحلول السلمية، إذ يجب أن يوقف السودانيون الاقتتال بينهم، لأن الخاسر في كل حال هو السودان، والقتلى والجرحى يسقطون في صفوف المتقاتلين جميعاً وليس من طرف واحد فحسب. أعتقد بأننا يجب أن نبحث عن دور عربي في حل مشكلة وطننا. والاخوة العرب قادورن على إصلاح ما يمكن إصلاحه، لاسيما وأنهم تقدموا في السابق بمبادرات، وفي مقدمهم خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز، وحكيم العرب الشيخ زايد بن سلطان، والرئيس حسني مبارك الذي نوه الى أن بمستطاعه القيام بدور إن طلب منه ذلك.
صحيح أن السودان يمر بمنعطف خطير وعلى أبناء الأمة العربية والاسلامية التدخل لانقاذه مما هو مقبل عليه. ونحن مسؤولون عن وطننا لأنه أمانة في أعناقنا يجب أن نسلمها الى أجيال تلينا.
لكن يبدو أن السودانيين من كلا جانبي الأزمة ليس لديهم استعداد لتقديم التنازلات التي تتطلبها المبادرات التي أشرت اليها...
- يجب أن يتنازل الطرفان بغية التوصل الى حل وسط لأن البلاد بحاجة الى من ينقذها، فهناك مجاعة معلنة في الجنوب، وسكان الشمال يقاسون في تلمس سبل المعيشة. يجب أن تتوصل الحكومة والمعارضة الى حل سلمي مهما كانت مرارة ما في النفوس.
قرأنا لك تصريحات تحدثت فيها مراراً عن الرغبة في حل سلمي للأمة. لكن لم نر لك جهداً عملياً للتقريب بين الفرقاء...
- لقد أعربت مراراً عن استعدادي لتكريس وقتي وجهدي لبذل مسعى يجمع أهل البلاد. ولكن الأكثر أهمية أن يقبل الطرفان قيام مجموعة من الوسطاء السودانيين الحادبين على مصلحة السودان بوساطة تقود الى حل. لكن الوساطات الفردية التي لا تشارك فيها شخصيات وطنية تحظى بالاحترام والقبول لن تجدي. وهذه الشخصيات موجودة داخل السودان وخارجه، وهم يمتلكون روحاً قومية محايدة.
كذلك عشمنا كبير في إخوتنا العرب لأن لديهم التزاماً تجاه السودان. وإذا كان لك مريض في أحد المستشفيات فلا يمكنك أن تهتم بتقديم الطعام اليه إذا لم تهتم أولاً بوقف نزفه. المهم في هذه المرحلة تشجيع الفرقاء على وقف الاقتتال.
يبدو أن وقف القتال لم يعد أمراً سهلاً بعدما زادت تعقيدات المشكلة، خصوصاً بعد أن أضحى تقرير مصير الجنوب ورقة مهمة لدى الفرقاء. هل ذلك صحيح؟
- لهذا السبب أنادي بدور عربي في حل مشكلة السودان، لأنها أضحت أشد خطورة وأكبر حجماً من الجهود الفردية. ولا شك في أن الشقيقة الكبرى مصر لها دور ينبغي أن تقوم به.
ألا يلغي التركيز على الدور العربي البعد الافريقي المهم في المسألة السودانية؟
- هناك مبادرة منظمة الهيئة الحكومية للتنمية ومكافحة الجفاف ايغاد، وإذا وفقت بلدان ايغاد في حل مشكلتنا فهذا هو المأمول. ولكن كلما كبر وزن الوسيط زادت النتائج المرجو تحققها.
كثير من الاطراف السودانية المتنازعة يعتقد بأن الخلاف يعود في جذوره الى تباين النظرة الى هوية السودان. هل تعتقد بأن السودان يعاني مشكلة هوية؟
- لا أعتقد بأن ثمة مشكلة من هذا القبيل، لأن السودان أساساً يتكون من مزيج عربي وافريقي. وثبت من درس التاريخ القديم والحديث أن أهله يمكن أن يعيشوا في تناغم تام ووفاق كامل بلا تعقيد. لكن الأهم من ذلك أننا من أجل سلامة وحدة السودان يجب أن نوقف الحروب التي تضطرم في عدد من أرجائه.
ولكن يبدو أن ثمة تدخلات خارجية تسفر في الغالب عن عرقلة مساعي حل الأزمة، وهو ما تعترف به الحكومة والمعارضة...
- نحن نقول إن لا بأس من التدخلات الخيّرة والمساعي الحميدة. ولذلك لا نمانع إذا أسفرت مبادرة دول "ايغاد" عن وقف الحرب بين السودانيين، إذ أن هذه المبادرة آتية من دول افريقية شقيقة نكن لها كل احترام وتقدير. وإذا فشلت منظمة "ايغاد" فمن رأينا أنه يمكن توسيع نطاق عضويتها لتشمل مصر ودولة الامارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية بما لها من وزن في العالمين العربي والاسلامي. وهناك سابقة مهمة تمثلت في الدور السعودي العظيم في جمع شمل اللبنانيين في مدينة الطائف أثناء مأساة الحرب الأهلية اللبنانية. وبعون الله وبعزائم الرجال يمكن أن يتحقق للسودان الكثير.
يبدو أن السودانيين مجمعون على أهمية الديموقراطية أساساً للحكم، لكنهم غير مجمعين على الشروط والسمات التي يجب توافرها في أي نظام ديموقراطي قادر على الصمود تحت كل الظروف. هل ترى أن الديموقراطية بحاجة الى أسس وضوابط؟
- الديموقراطية نظام متكامل للحكم، تحدث فيه تعديلات وفقاً للمناخ السياسي السائد في كل بلد. ويغلب على فهمنا - نحن في السودان - أن النموذج الديموقراطي الأمثل هو نموذج ويستمنستر البريطاني، ولكل شعب أن يستحدث التعديلات التي تلائم أوضاعه ما دامت القيمة الحقيقية للديموقراطية باقية.
وساطة نجحت عربياً
تقول إنك مستعد للقيام بدور الوسيط. هل ذلك ناجم عن مشاركتك في وساطات سابقة أثناء العهود الديموقراطية؟
- نحن السودانيين نطلق على الوسطاء في النزاعات "أجاويد"، وهي في الحقيقة عملية تحكيم أكثر منها وساطة عادية، لأن الأطراف المتنازعة تلزمك أخلاقياً قبول حكم "الأجاويد" سواء أكان لك أو عليك. وهذا النوع من الوساطة ذات الملامح السودانية لم ينجح في حل النزاعات بين السودانيين فحسب، بل كانت لنا تجربة طيبة على الصعيد العربي الشامل إثر حرب حزيران يونيو 1967. وقد كان لي شرف المشاركة في تلك المساعي التي كللت بالنجاح.
هذا الدور غير معروف مطلقاً. والواقع أن سياستكم الأسرية التي تتفادى التصريحات والمقابلات الصحافية جعلت كثيرين من السودانيين لا يعرفون شيئاً عن كسبكم السابق في الساحة السياسية...
- بدأت عملي في السياسة العام 1964 وذلك بعد تخرجي من جامعة لندن. وكانت أولى مساهماتي في العمل السياسي محاولة جمع الصف بين حزبي الشعب الديموقراطي والوطني الاتحادي اللذين أدى اندماجهما الى قيام الحزب الاتحادي الديموقراطي.
كنت أسعى بالوساطة بين والدي السيد علي الميرغني والرئيس الراحل اسماعيل الازهري حتى نجحنا في دمج الحزبين. كذلك من التجارب المهمة والناجحة في حياتي السياسية في هذا الجانب الدور الذي قمت به بعدما أوفدني السيد علي الميرغني برسالة الى العاهل السعودي الراحل الملك فيصل بن عبد العزيز لدعوته الى حضور القمة العربية التي استضافها السودان عقب حرب 1967، ومفاتحته في شأن وساطة محتملة مع الرئيس جمال عبد الناصر. وقد نجحت في إقناع الملك فيصل بالحضور الى الخرطوم وكان مُعرضاً عن ذلك في البداية بسبب التوتر الذي كان يسود علاقات بلاده مع عبد الناصر.
كذلك من المهمات الصعبة التي كلفت القيام بها أن السيد علي الميرغني طلب مني السعى الى توحيد حزب الأمة أثناء الانشقاق الذي أدى الى انقسامه الى حزبين أحدهما بزعامة السيد الصادق والآخر بزعامة الامام الهادي المهدي.
وأثناء رئاستي لمجلس رأس الدولة وفقني الله الى توحيد الصف العربي بدءاً من مؤتمر القمة الاسلامي الذي عقد في الكويت في شباط فبراير 1987. وكنت من الدعاة الى ضرورة عقد القمة العربية التي تلت ذلك في العاصمة الأردنية عمّان لضمان عودة مصر الى الصف العربي ونقل الجامعة العربية الى مقرها الأصلي في القاهرة. واتفقنا هناك على أن تعقد قمة عربية في الجزائر العام 1988، وساهمنا مساهمة فاعلة في بلورة الصيغة التي أتاحت التئام الشمل العربي في قمة الدار البيضاء التي حضرها الرئيس حسني مبارك وكانت إيذاناً بلم الصف العربي وعودة مصر الى مكانها الطبيعي في قيادة المسيرة العربية.
وكانت آخر مساعينا لتوحيد الصف الداخلي تلك الجهود التي بذلناها في القصر الجمهوري في الخرطوم حتى كللت بتشكيل حكومة الوحدة الوطنية. وكان مكتبنا في القصر مفتوحاً لكل الاحزاب والنقابات والهيئات. إذن فهي تجربة قائمة على العمل على ما يجمع وليس ما يفرّق.
دور "الأجاويد" يتطلب أن تقول للمخطئ مخطئ في وجهه. هل أنت مستعد لمهمة جسيمة بهذا القدر؟
- للمجتهد أجران إن أصاب، وأجر واحد إن أخطأ. أنا حقيقة لا أريد أن اعتبر نفسي حكماً يقول لهذا أخطأت ولذاك أصبت. ما أريد أن أقوله للجميع: لا للقتال الحالي. ثم بعد ذلك نتنادى للتشاور على الصيغة المثلى لانقاذ السودان.
لكن مع ذلك ساد انطباع بأنك رجل أعمال أكثر منك سياسياً...
- هذا الكلام ليس صحيحاً على علاته. فأنا رجل أعمال بحكم المهنة، لأنني لا أتعيش من السياسة، وإنما من عرق جبيني. إذ إن لديّ مسؤولية أسرية، كما أنك تعرف - بلا شك - مسؤوليات الفرد في السودان تجاه الآخرين إخواناً وأحباباً وأصدقاء وعشيرة.
كنت أساساً تاجراً ... "بيزنيس مان". ويشرفني أن يقال عني ذلك، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم عمل بالتجارة وضُرب به المثل في الأمانة. ومع ذلك ظللت أتعاطى السياسة منذ العام 1964 كما ذكرت لك. وكان والدي السيد علي الميرغني - رحمه الله - يعدني لدور سياسي محتمل، وأعتقد بأن أمنيته تلك تحققت يوم عينت رئيساً للقيادة الجماعية للبلاد. وعملي بالسياسة يشهد عليه أصدقاء كثر منهم صديقي الصحافي محمد الحسن أحمد.
ومن أهم الأدوار السياسية التي قمت بها رئاسة المؤتمر العام للحزب الاتحادي الديموقراطي الذي عقد في الخرطوم في 1968. وكنت قبل ذلك رئيساً لقطاع الشباب والطلبة والهيئة النسوية في الحزب عندما كان بزعامة الرئيس اسماعيل الازهري. كنا ثمانية نشكل القيادة الجماعية الحقيقية للحزب، وأتاح لي ذلك الجلوس والعمل مع شخصيات مرموقة مثل الوزير الشيخ علي عبد الرحمن والشريف حسين الهندي والدكتور أحمد السيد حمد وابراهيم المفتي والرئيس السابق خضر حمد ووزير الداخلية السابق حسن عوض الله. هل هناك سياسة أكثر من هذه؟ أعتقد بأن السياسي لا بد من أن يكون له عمل يمتهنه الى جانب السياسة. ليس هنالك شيء اسمه سياسي محترف بلا مهنة سوى السياسة. وإذا كان الانطباع الذي ذكرته نابعاً من صمتي، فأنا لست صامتاً، فكلما حدث شيء يستحق التعليق تجدني سباقاً الى التعليق عليه في هدوء وبغير ضجيج.
والحقيقة أنني قبل انتخابي رئيساً لمجلس رأس الدولة كنت رئيساً لمجلس إدارة البنك الاسلامي السوداني. وكنت رئيساً للجانب السوداني في شركة التنمية السودانية التي كان يرأس مجلس إدارتها الأمير محمد الفيصل آل سعود. وكان ذلك عملي الخاص قبل تكليفي أعباء الرئاسة.
كذلك هناك نقطة مهمة لا ينبغي أن تغيب عن البال، فقد حدث فراغ سياسي كبير بعد وقوع انقلاب الرئيس السابق جعفر نميري في 1969. وبعد الانقلاب بقليل بدأ جيل المؤسسين رحلة الغياب، لذلك لم يكن هناك تواصل.
لست لاجاً في مصر
ماذا تفعل حالياً منذ اضطرارك الى الاقامة في المنفى؟ ألا تزال رجل أعمال؟
- لا أمارس أي عمل تجاري في الوقت الحالي. ولست لاجئاً سياسياً في مصر، إنني أقيم في مدينة الاسكندرية في منزل والدي، ومصر هي الوطن الثاني لكل السودانيين. والحمد لله أن أحوالي مستورة، لكني بلا عمل.
كثير من السودانيين يجمعون على أن غياب جيل الآباء المؤسسين للسياسة الوطنية السودانية حرم الاجيال الحالية من حكمة ما أحوجهم إليها...
- أوافق ولا أوافق! صحيح أن غياب ذلك الجيل، خصوصاً السيد علي الميرغني والامام عبد الرحمن المهدي والرئيس الازهري وعلي عبد الرحمن ورفاقهم، يمثل فقداً كبيراً وخسارة يصعب التعويض عنها. ولكن السودان بلد معطاء ويزخر بالرجال.
لا يعرف السودانيون عن شخصية السيد علي الميرغني الذي توفي العام 1968 قدراً كبيراً من المعلومات. وأدى ذلك الى افتقار مكتبة الدراسات السودانية الى ما يمكن أن يعين الباحثين على فهم تفاصيل الوقائع السياسية أثناء حياته. كيف تنظرون الى ذلك؟
- هناك كثيرون اتيحت لهم فرصة معرفة السيد علي الميرغني من قرب من صحافيين وسياسيين. وكان والدنا محباً للإطلاع والقراءة، وكان يناقش ضيوفه. وسيصدر كتابان عنه قريباً. ومن الحقائق المهمة أن السيد علي كان يملك مكتبة ضخمة ليس لها مثيل في السودان. فالوالد كان مغرماً باقتناء الكتب وشرائها خصوصاً عندما يزور مصر للعلاج.
وقد تكفلت مع شقيقي السيد محمد عثمان ببناء مقر لهذه المكتبة من مالنا الخاص لتكون متاحة للباحثين والقراء ولتكون صدقة جارية لصاحبها. ولا أدري ماذا حصل في هذا المشروع لأنني غائب عن الوطن. وكل ما أتمناه أن تكون المكتبة باقية على وضعها السابق الى حين نقلها الى مقرها الذي أشرت اليه.
تدرك طبعاً بحكم عملك الاقتصادي أن السودان يعاني مشكلة اقتصادية مستعصية. إذا حصل وفاق، ما هي برأيك الاولويات التي تنبغي مراعاتها على هذا الصعيد؟
- قبل كل شيء يجب أن تتضافر الجهود لتوفير الغذاء والكساء للسودانيين، لأن المواطن هو رأسمال البلاد الحقيقي. والسودان دولة غنية زاخرة بالثروات الكامنة في باطن الارض، خصوصاً البترول، ولا بد من تهيئة المناخ لاقبال الشركات العربية والأجنبية لتأتي وتعمل على استنباط تلك الثروات وتوظيفها في إنماء الاقتصاد الوطني السوداني. سنكون بحاجة الى توسيع اتفاقات التعاون مع الشقيقة مصر، وزيادة الرقعة الزراعية، وتحديث قطاع الكهرباء والمواصلات، خصوصاً ربط أصقاع البلاد بخدمات النقل الجوي، لأننا نتحدث عن بلد قارة وليس مجرد دولة صغيرة. ومما أثار الارتياح في نفسي ما بلغني أخيراً عن تحسن الخدمة الهاتفية في السودان. وهو أمر يبعث السرور.
دور إنمائي للمغتربين
هناك انتقادات على نطاق واسع بعدم اهتمام السياسيين والاقتصاديين بالعقول السودانية المهاجرة. هل تحبذ تشجيعها على العودة؟
- أعتقد بأن السودان - في هذا الجانب - مثل الشجرة الباسقة يعطي أبناؤه خيرهم للوطن وللخارج. مسألة العودة تتوقف على ظروف كل فرد من المغتربين. وما يتحقق للمغتربين من خير في البلدان التي يعملون فيها هو رزق من عند الله ونعمة. لكن وصيتي لاخواني المهاجرين أن يبقوا على ارتباط دائم ببلدهم وأهلهم. فما يقومون به في هذا الجانب من تحويلات مالية هو نفسه مساهمة في التنمية الاقتصادية للبلاد.
من الصعب علينا أن نطلب من المغتربين أن يتركوا أعمالهم ليعودوا الى السودان، لأنهم في هذه الحال سيكونون عبئاً على من كانوا يعولونهم. لكن أعتقد أننا في فترة مقبلة قد نناشد إخوتنا العرب أن يعيرونا عدداً من الخبراء السودانيين ليعملوا لدينا في السودان على سبيل الإعارة والانتداب ليساهموا في إعمار البلاد، وهو نمط من المساعدة مضمون النتائج والفائدة، وينأى بنا عن العودة الى استقطاب المساعدات المادية. هي فكرة نأمل أن تتبلور لاحقاً.
تردد مراراً أن السلطات السودانية قررت إعادة الأملاك التي صادرتها منك. هل صحيح أنك قبلت عرضاً للعودة الى الخرطوم لترأس مجلس إدارة البنك الاسلامي السوداني؟
- المصادرات التي تمت شملت ممتلكات آل الميرغني كأسرة. وإذا رأت الحكومة السودانية ردها فهذا حق وليس منحة. أما مسألة البنك فإن أعضاء مجلس الادارة مصرون في كل جمعية عمومية أن ينتخبوني رئيساً للمجلس، ولم تعترض الحكومة على ذلك.
ثمة اعتقاد عام بأن هناك تنافساً شديداً بين بيتي المهدي والميرغني في السودان...
- لا يوجد أي تنافس بالطريقة التي تتحدث عنها التقارير الصحافية والدراسات. الخلاف في الآراء السياسية شيئ طبيعي حتى داخل الحزب الواحد وبين أفراد الأسرة الواحدة. لكن أساس العلاقة بين أسرتنا وبيت الامام المهدي أن اختلاف الرأي لا يفسد للود قضية. وكان الخلاف الرئيسي بين حزبي الأمة والاتحادي الديموقراطي على عهد الاستعمار. لكن بعد الاستقلال ولقاء السيدين علي الميرغني وعبد الرحمن المهدي، وهو لقاء مشهور ومعروف في السودان، أضحت الخلافات السياسية بين الطرفين محدودة للغاية. ولا يزال الود والاخاء مستمراً بين الابناء بعد الآباء.
دعوتك الى وفاق بين السودانيين ألا تتضارب مع انتمائك الحزبي؟ ألا تزال عضواً في الحزب الاتحادي؟
- منذ أدائي اليمين الدستورية رئيساً لمجلس رئاسة الدولة اعتبرت نفسي شخصية قومية، بل امتنعت عن حضور اجتماعات الحزب الاتحادي الديموقراطي. والتزامي النهج القومي لا يلغي كوني اتحادياً. لكني لست متعصباً لحزبي.
أليست هذه خسارة للحزب الذي قد يكون أشد حاجة الى مساعيك الاصلاحية؟
- قد تكون خسارة للحزب، لكنها مكسب للوطن كله


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.