"العيادة المجانية للمبدعين" ظهرت قبل ست سنوات جديدة على المجتمع اليمني وعلى المبدعين أنفسهم. ولعل الطريف أن اسم العيادة عند تأسيسها أثار لدى البعض احتمالاً بظهور تطور نوعي في علم الطب ناتج عن اكتشاف جديد لأمراض خاصة بالمبدعين. وأيد هذا الاحتمال أن الشعراء والفنانين كثيراً ما يستخدمون عبارات توحي بحالات مرضيّة غريبة مثل "وجع القصيدة" و"آلام المخاض" و"معاناة المبدع". ولكن هذه العيادة لم تلبث أن أصبحت معروفة ومقصودة، وحظيت باهتمام ودعم من قبل الأطباء والمبدعين وبعض المعنيين في وزارة الصحة وبعض الصحف ووسائل الاعلام، اضافة الى دعم مالي محدود من جانب بعض رجال الأعمال بشكل ساعد في استمرار العيادة وتطورها الى حد ما، بحسب ما قال مؤسسها وعميدها الدكتور نزار محمد عبده غانم ل "الوسط" في الحوار الآتي: اتحاد الطب والشعر كيف ومتى بدأت بتأسيس "العيادة المجانية للمبدعين" ومن أين استوحيت فكرتها؟ - ولدت الفكرة في العام 1989، وكانت أولى الخطوات العملية ان ذهبت الى نقيب الفنانين اليمنيين الأخ علي الأسدي وعرضتها عليه مبسطة وطلبت منه تعاون النقابة بتخصيص غرفة في مقرها للمعاينة الكشف الطبي. ولكن لم أجد سوى التقدير المعنوي، وكذا لم ينجح القائمون على الأمر بافتتاح هذه العيادة التي سرعان ما أصبحت ملتقى فكرياً يومياً. أما من أين جاءت الفكرة، فقد أوحت لي بها أعمال القاص والطبيب الروسي "أنطون تشيخوف" والشاعر والطبيب المصري ابراهيم ناجي، فقررت أن أبدأ العمل بما يتطلبه من الجدية، وكان لمشاركة الطبيب اليمني القدير أبو بكر القربي أثر كبير في دفع العمل الى حيز التنفيذ، اذ أنه منحني غرفة في عيادته الخاصة بدأت فيها خدمة المبدعين في صنعاء. وماذا عن تطور العمل في العيادة وما هي المشكلات التي واجهتها وكيف أمكنت معالجتها؟ - بدأت العيادة في العاصمة صنعاء بتقديم خدمات الكشف المجاني، وانطلقت حتى الآن الى أربع محافظات تقدم فيها الخدمة الطبية المجانية بدءاً من المعاينة على يدي ثم التحويل الى الطبيب الاختصاصي ثم اجراء الفحوص المخبرية وانتهاء باجراء المعالجة المطلوبة، اما أبرز المشكلات فيتمثل في مدى تقبل الفكرة المقصود بها خدمة رجال الفكر والفن بهذه الصورة النظامية، وكما حظيت العيادة بدعم الخيرين من أبناء اليمن إلا أنها لا تزال بحاجة الى المزيد من التبرعات لتتمكن من تطوير وتوسيع خدماتها في المحادثات اليمنية الأخرى. وبحثاً عن الحلول اضطررنا الى التعاون مع بعض الجهات الأجنبية العاملة في اليمن، ومنها شركتا النفط "كنديان أكسيدنتال" و"بريتيش غاز"، و"بنك اندوسويس" و"المنظمة الألمانية للتنمية". وما مدى تجاوب ودعم الأطباء والمؤسسات الرسمية والخاصة اليمنية للعيادة في ما يتعلق بتغطية تكاليفها وتوفير مستلزماتها بوصفها عيادة مجانية؟ - تعتمد العيادة بدرجة أساسية على اثنتين من مجموعات الشركات اليمنية الخاصة، هما: مجموعة هايل سعيد أنعم ومجموعة محمد عبد ربه، حيث تقدمان معاً 35 ألف ريال شهرياً لتسيير العيادات الخمس في صنعاء وعدن والشحر ودمار وإب. أما نقابة الأطباء فإنها مشغولة بخلافاتها الداخلية، ويعود الفضل الى عدد من الأطباء والطبيبات الذين فتحوا عياداتهم غير المجانية مجانية أمام المبدع اليمني، والى الاهتمام الذي لقيته العيادة أخيراً من وزير الصحة الدكتور نجيب سعيد غانم حيث أصبحت مخازن الوزارة المصدر الأول للأدوية التي تقدمها العيادة وكذا المستلزمات الطبية، ومنها ثلاجة يتم استخدامها ضمن وحدة تطعيم الأطفال والأمهات، اضافة الى عدد من الأجهزة الالكترونية المقدمة من شركة "كنديان اوكسيدنتال" والتي للأسف فقدناها نتيجة السرقة. هل يمكن أن توضح لنا كيفية توزيع أقسام العيادة ونوعية الخدمات التي تقدمها وما هو تعريفها للمبدع الذي تُعنى به؟ - تحتوي العيادة في مقرها الرئيسي في صنعاء على حجرتين للمعاينة احداهما للرجال والأخرى للنساء والأطفال، وهناك المختبر التخصصي وصيدلية للأدوية، اضافة الى وحدة التطعيم ووحدة بنك الدم ووحدة الارشاد الغذائي ووحدة تنظيم الأسرة. ونعد الآن لقيام وحدة الرعاية النفسية والاجتماعية بمساعدة الدكتورة بلقيس عثمان والاخصائيات ولادة الارياني وصفاء مصلح وشذي ناصر، الى جانب النشاطات الثقافية والرياضية والترفيهية الداخلة ضمن مكونات الرعاية الصحية. وكانت خدمات العيادة في البداية مقصورة على الأدباء والفنانين والصحافيين ثم أصحاب الانتاج الفكري عامة، والآن نقدم خدماتنا لأكثر من مئة منظمة جماهيرية غير حكومية تعمل في مختلف المجالات مثل البيئة وتنظيم الأسرة والمرأة والطفل والتوعية الصحية والاجتماعية. وسننشر قريباً في الصحف قائمة بالمنظمات الابداعية والجماهيرية التي تشملها خدمات العيادة. العمل أثناء العطلات الى أي مدى بلغ اهتمام المبدعين بهذه المبادرة وإقبالهم عليها؟ - يكفي أن أشير الى أن غالبية الوسائل الاعلامية لم تتوقف عن الاشادة بهذه التجربة وتوسعها منذ بدايتها في 1992، ما ساعدنا على أداء واجبنا، كما أن زيادة الاقبال اليومي دفعتنا الى زيادة ساعات العمل التطوعي حتى أيام العطلات الرسمية. من خلال تجربة العمل، هل تستطيع تحديد أكثر الأمراض انتشاراً بين أوساط المبدعين؟ - وضعنا ونشرنا بعض البحوث عن الأمراض المهنية لدى المبدعين، ولكن لا يزال الانطباع لدينا عموماً أن معظم الحالات يشكل مزيجاً من الأمراض الاستوائية والمتاعب النفسية والعادات الاجتماعية الضارة. من خلال انتاجك في مجال الأدب والفن، أنت واحد من المبدعين، من هذه الصفة كيف تتحدث عن قضايا المبدعين ومعاناتهم؟ - يكفي أن أقول أو اؤكد أن المبدع في بلدان الشرق الأوسط، يعيش وضعاً سيئاً، لأن دول هذه البلدان عامة لا تتعامل معه بالأسلوب اللائق ولا تراعي حقوقه كما يجب، وفي مقدمتها حقوق الانتاج الفكري التي تكفلها كل التشريعات والمواثيق، واسمح لي أن أضرب مثلاً على هذا بما قام به بعض دور النشر البيروتية من تزوير لطبعة من كتاب والدي الدكتور محمد عبده غانم "شعر الغناء الصنعاني" ضمن ما نسمع عنه ونعيشه من سطو على حقوق المبدعين مما يجعلني على خلاف دائم مع هؤلاء القراصنة. اضافة الى ما يعاني منه المبدعون في هذه البلدان من أوضاع معيشية سيئة. وكان يمكن لهذا الوضع أن يكون أقل فداحة لو أننا نعيش في مجتمعات تسير نحو التطور والديموقراطية، ولكن واقعنا يشير وللأسف الى أن المبدع العربي سيظل طويلاً تحت ضغوط لا حد لها. نزار غانم - العمر: 37 سنة. - التعليم: طبيب طب مهني وعام ووقائي. - المهنة: الطب. ويعمل مستشاراً لوزير الصحة لشؤون البيئة. - محاضر عن الصحة المهنية في كلية الطب في جامعة صنعاء. - له كتابات وبحوث أدبية وفنية، صدر منها: - جذور الأغنية اليمنية في أعماق الخليج. - جسر الوجدان بين اليمن والسودان. - حمينيات صدى صيرة. - تداعيات الغربة شعر.