حماس تقدم تنازلات وإسرائيل تتمسك بالحرب    سباق نادر بين ترمب وبايدن    رونالدو يساهم في فوز النصر بسداسية على الوحدة    «ذبلت أنوار الشوارع.. وانطفى ضيّ الحروف»    «شباب البومب» يتصدر شباك دور السينما الخليجية    النملة والهدهد    مدرب الشباب: لا أفكر في الأهلي    البدر يكتب ميلاده بالرحيل    صفقة الأسرى تنتظر رد «حماس».. ومظاهرات غاضبة تطالب برحيل نتنياهو    ضبط مواطن في حائل لترويجه مادة الإمفيتامين المخدر    تعيين 261 مُلازم تحقيق بالنيابة العامة    حصر المباني الآيلة للسقوط بالدمام    تحذيرات من 5 أيام ممطرة    رئيس الإمارات: رحم الله الشاعر الأمير بدر بن عبدالمحسن.. رحل بعد رحلة طويلة من الإبداع    ريال مدريد يحقق لقب الدوري الأسباني للمرة ال36 في تاريخه    الخليج يعلن إصابة ثلاثي الفريق    غداً.. إقامة المؤتمر الدوري للقطاع الرياضي في الرياض    لا توجد حسابات لأئمة الحرمين في مواقع التواصل... ولا صحة لما ينشر فيها    انطلاق شهر التصلب المتعدد    أمير الجوف يعزي معرّف جماعة الشلهوب بوفاة شقيقه    "فلكية جدة": شمس منتصف الليل ظاهرة صيفية    الديوان الملكي ينعى الأمير بدر بن عبدالمحسن    منصور بن متعب ينقل تعازي القيادة لرئيس دولة الإمارات في وفاة الشيخ طحنون بن محمد آل نهيان    إعصار يضرب كينيا وتنزانيا وسط فيضانات مدمرة    رئاسة وزراء ماليزيا ورابطة العالم الإسلامي تنظِّمان مؤتمراً دوليّاً للقادة الدينيين.. الثلاثاء    الرياض تستضيف أكبر معرض دولي في صناعة الدواجن    الديوان الملكي: الصلاة على البدر عصر غد    السعودية تؤكد ضرورة إعادة هيكلة منظمة التعاون الإسلامي وتطويرها    «يويفا» يوافق على زيادة عدد اللاعبين في قوائم المنتخبات المشاركة بيورو 2024    وزير الخارجية: السعودية تؤكد ضرورة إعادة هيكلة «التعاون الإسلامي» وتطويرها    ضبط أكثر من 19600 مخالف لأنظمة الإقامة والعمل وأمن الحدود خلال أسبوع    160 ألف سيارة واردات المملكة خلال عامين    ملتقى الصقارين ينطلق في الرياض بهدف استدامة هواية الصقارة    ارتفاع عدد الشهداء الفلسطينيين في غزة إلى 34654    اللجنة الثلاثية «السعودية - التركية - الباكستانية» تناقش التعاون الدفاعي وتوطين التقنية    نيابة عن الملك.. وزير الخارجية يرأس وفد المملكة ب"مؤتمر القمة الإسلامي"    "زرقاء اليمامة" تفسر أقدم الأساطير    "تسلا" تقاضي شركة هندية لانتهاك علامتها التجارية    توافق سعودي – أذربيجاني على دعم استقرار "النفط"    مصر: الفنانة السورية نسرين طافش تستأنف على الحكم بحبسها 3 سنوات.. الأربعاء    الذكاء الاصطناعي يبتكر قهوة بنكهة مميزة    3 مخاطر لحقن "الفيلر" حول العينين    بدء إجراءات نقل السيامي "عائشة وأكيزا" للمملكة    إغلاق مؤشرات أسواق الأسهم الأمريكية مرتفعة    انخفاض أسعار النفط في أكبر خسارة أسبوعية في ثلاثة أشهر    الجنيه الإسترليني يرتفع مقابل الدولار الأمريكي وينخفض مقابل اليورو الأوروبي    بيان «الصحة» عكس الشفافية الكبيرة التي تتمتع بها الأجهزة الحكومية في المملكة    «النصر والهلال» النهائي الفاخر..    بأمر الملك.. إلغاء لقب «معالي» عن «الخونة» و«الفاسدين»    محمية عروق بني معارض.. لوحات طبيعية بألوان الحياة الفطرية    أمانة الطائف تنفذ 136 مبادرة اجتماعية بمشاركة 4951 متطوعًا ومتطوعة    تركي الفيصل يرعى حفل جائزة عبد الله بن إدريس الثقافية    سحب لقب "معالي" من "الخونة" و"الفاسدين"    "الفقه الإسلامي" يُثمّن بيان كبار العلماء بشأن "الحج"    وزير الدفاع يفتتح مرافق كلية الملك فيصل الجوية    انطلاق ميدياثون الحج والعمرة بمكتبة الملك فهد الوطنية    كيفية «حلب» الحبيب !    بيان صادر عن هيئة كبار العلماء بشأن عدم جواز الذهاب للحج دون تصريح    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



"بومباي" هوليوود الشرق نجومها أشهر من أهل السياسة . السينما الهندية "تبيع" الاحلام "وتسوق" الاخلاق بالقصة والغناء والرقص
نشر في الحياة يوم 25 - 04 - 1994

ليس ثمة لغز في تاريخ السينما يضاهي لغز نجاح السينما الهندية، السينما الوحيدة التي تبدو اليوم حية ومزدهرة، خارج اطار هوليوود. فبومباي عاصمة هذه السينما ومصنعها الأول تنتج الافلام سنوياً بالمئات، أفلام تنتشر في طول آسيا وعرضها، تؤمن نجاحاً وشعبية كبيرة لنجوم كبار يتضاءل امامهم أي نجم هوليوودي في أيامنا هذه، نجوم يحملون أسماء مثل زينات أمان، شعبانة عزمي، أمجد خان، اميتاب باطشان وريخا، ويعتبرون ورثة راج كابور ونرجس ومحبوب وديليب كومار، يمثل الواحد منهم في دزينة من الافلام شهرياً، ثم يستريح بعض الشيء في فيلم لساتيا جيت راي أو ميزنال سن، يعرف انه لن يحقق أي نجاح ابداً، لأنه يصنع خارج ماكينة بومباي الزاحفة.
ليس شيئاً خارقاً للعادة ان تجتمع الحرارة وزحام السيارات وتدافع الناس فوق بعضهم البعض في يوم ربيعي في بومباي، غير ان السيدة كانت على عجلة من أمرها، وكان المصوّر الغربي الجالس الى جوارها ينتظر متوقعاً بكل فضول، وببعض الضيق، كيف ستنتهي تلك "الورطة". كان ما أدهشه أول الأمر ان جموع المزدحمين لم تهتم اهتماماً كافياً بالسيارة التي كان يستقلها مع السيدة، اذ ليست من الأمور العادية ان تتجول سيارة "مرسيدس" بهذه الفخامة في شوارع المدينة الهندية. ولكن كان من الوااضح ان ثمة حادثاً هو الذي شغل الناس عن السيارة وجمعهم متزاحمين يتدافعون وسط رجال الشرطة. فجأة فتحت السيدة باب السيارة وخطت الى خارجها، ولدهشة المصور ما ان لمحها المارة القريبون حتى توقفوا وراحوا يحدقون بها، ثم تزايد عدد المحدقين فيما كانت السيدة تقترب من مركز اهتمام المتفرجين، وترك الجميع الحادثة وراحوا يتحلقون من حول السيدة التي ما ان ابتعدت بعض الشيء عن السيارة حتى اختفت عن انظار المصور، وهو حين قرر اخيراً اللحاق بها، كان كل شيء انتهى: انتهت الحادثة وانتهى الزحام فيما ابتسمت هي وسط تحيات الناس وتصفيقهم وعادت الى السيارة تخطو على مهل راضية عن نفسها، رضى من قام بعمل كبير. ولم يكن من العسير على المصور ان يفهم ان حضور السيدة وتدخلها كانا الأساس في الفضاء الغمامة. فسيدة مثل هذه لا يمكن لكلمة منها الا ان تطاع في الهند، نجوم السينما في الهند سادة كبار، فكيف اذا كانت السيدة نجمة النجوم: زينات أمان؟
زينات أمان تتربع منذ ما يقرب العقدين من الزمن على عرش السينما في الهند. وليس شيئاً عادياً ان تتربع امرأة مثلها على مثل هذا العرش. ففي الهند، ومنذ اكثر من نصف قرن يتمتع نجوم السينما بمكانة كبيرة، ويبجلهم الناس ويتدافعون بعشرات الملايين لمشاهدة افلامهم. صحيح ان الغرب لا يعرف عن السينما الهندية سوى اسماء قليلة: ساتيا جيت راي، ميرنال سن، وربما شيام ينغال وميرا ناييرا. غير ان اصحاب هذه الاسماء ليسوا هم السينما في الهند. السينما في الهند شيء آخر تماماً. هي بومباي، "هوليوود" شبه القارة الهندية، بومباي التي تبدو بعيدة جداً عن كل تلك الافلام "الفنية" و"الواقعية" و"التجريبية" التي اعتاد الغرب على استقبالها افضل استقبال، وخسرت قبل فترة واحداً من كبار عباقرتها برحيل ساتيا جيتراي عن ستة وثلاثين فيلماً، بالكاد يعرف عنها شيئاً ذلك المتفرج العادي في بومباي او دلهي او كلكوتا، المتفرج الذي يشاهد ما لا يقل عن فيلمين في الاسبوع. وليس في هذا الرقم اية مبالغة على الاطلاق. فالهند هي واحدة من الدول القليلة في العالم التي لم تعرف بعد ما يسمى في العالم بپ"أزمة ارتياد دور السينما". والفضل في ذلك ليس بالطبع لأصحاب الأسماء الكبيرة الجدية بل ل … بومباي.
أكبر منتج في العالم
اذا كانت الهند تنتج سنوياً مع معدله 800 فيلم وتعتبر بهذا اكبر بلد منتج للأفلام في العالم، واذا كان عدد متفرجي هذه الافلام، في الهند وحدها يصل الى 65 مليون متفرج في الاسبوع الواحد، فإن مما لا شك فيه ان القسم الاكبر من هذه الافلام ينتج في بومباي، وباللغة "الهندية" التي هي اللغة الاوسع انتشاراً، علماً بأن ثمة افلاماً عديدة اخرى تنتج باللغات الباقية التي يتكلمها سكان شبه القارة. لغة الطلوقو، والتاميل والمايالام وكنّادة بشكل أساسي، ولكن ايضاً باللغة البنغالية حيث يبلغ المعدل السنوي للانتاج 50 فيلماً، جلها له طابع فني وواقعي لا مراء فيه وبلغة غوجاراتي وماراتي والبنجاب والاوردو، وغيرها.
ولكن على الرغم من تعدد لغات هذه الافلام والمناطق التي تنتج فيها، من الواضح ان الحديث عن السينما الهندية الأكثر شعبية ورواجاً هو الحديث عن سينما بومباي. فهنا يعمل اميتاب باطشان وزينات أمان وشعبانة عزمي وهيلين وكالبان إيار وشاشي كابور، وهنا يضرب الممثل أمجد خان الرقم القياسي العالمي بتمثيله في اكثر من مئة فيلم في العام الواحد، غالباً في دور الشرير، ولكن في بعض الاحيان - وربما على سبيل الاستراحة - في دور البوليس. وأمجد خان يحب ان يرى الناس يتدفقون لمشاهدة الافلام التي يمثل فيها، مهما كان عددها، ومهما كان دوره فيها، فهو ممثل محبوب وناجح، رغم انه دائماً ما يُعطى الادوار الثانوية. وذلك لأن للأدوار الأولى مقاييسها التي لا تنطبق عليه. هي تنطبق مثلاً على اميتاب باطشان بقامته الطويلة وهدوئه وسحنته الشرقية، أو على شاشي كابور، الذي يعتبر اليوم الأكثر نجاحاً بين سلالة تتوارث النجاح السينمائي منذ سنوات طويلة، وكان زعيمها راج كابور ولا يزال واحداً من اكبر الاسماء التي عرفتها السينما الهندية في تاريخها.
صحيح ان المثقفين ينظرون بشيء من الاحتقار الى سينما بومباي، وصحيح ان العدد الاكبر من نجوم الصف الأول فيها، يجدون انفسهم مندفعين بين الحين والآخر للعمل في افلام "فنية" تحمل تواقيع مخرجين ذوي سمعة عالمية، كما هو حال شعبانة عزمي حين تمثل مع ميرنال سن في "الاطلال" او مع ساتيا جيت راي في "لاعبا الشطرنج"، وكما هو حال سميتا باتيل وشرميلا طاغور وحتى زينات أمان على الرغم من انها تعتبر "قنبلة اغراء" حقيقية ولا تتناسب مقاييسها مع مقاييس السينما الاقل شعبية. ومع هذا يعرف النجوم الكبار ان التمثيل في فيلم "جدي" و"غير ناجح" هو ضريبة لا بد من دفعها، هم الذين يمثل الواحد - او الواحدة - منهم في اكثر من ثلاث دزينات من أفلام بومباي في العام الواحد. وتلك قاعدة عامة لم يصر الى التخلص منها حتى الآن. ولكن ما هي هذه الافلام؟
أرقام قياسية
من أقصى الشرق الآسيوي الى بلاد الخليج، ومن جمهوريات آسيا الوسطى الى اقاصي جنوب سيري لانكا تعتبر الافلام المنتجة في بومباي وسيلة الترفيه الأساسية لجماهير المدن وضواحيها الذين لا يزال بامكان النجم ان يمارس سحره عليهم. ولا سيما حين يمثل هذا النجم في واحد من افلام الحلم والهروب من الواقع: الأفلام ذات السيناريوهات البسيطة، ذات النزعة الوعظية المتشابهة مع بعضها البعض في نهاية الأمر. بيد ان هذا الواقع لا ينبغي ابداً أن يدفعنا الى الغرق في تلك النزعة المتسرعة القائمة على احتقار هذا النوع من الافلام، حتى وان كان عدد لا بأس به منها، أميل الى السذاجة والتبسيط. فالواقع ان السينما الهندية الجماهيرية وبخاصة تلك المصنوعة في بومباي تكاد تكون السينما الوحيدة الناجحة في العالم رغم افلاتها من براثن الانماط الهوليوودية المعهودة. وحتى اذا كان ثمة على الدوام بطل ايجابي في الفيلم، ورقص وغناء وحبكات ميلودرامية، فان معظم هذه العناصر ينتمي الى الاساطير الهندية اكثر من انتمائه الى النزعة الهوليوودية. فالحال ان السينما الهندية بدأت أول ما بدأت على شكل اقتباسات من اسطورتي "المهابهاراتا" و"الرامايانا"، ومن هنا، وليس من صلب "الكوميديا الموسيقية" الهوليوودية، كانت عناصر الرقص والبطولة والغناء التي تلعب دوراً اساسياً في الفيلم الهندي، الى جانب عنصر الوعظ الاخلاقي. ومن هنا نلاحظ ان الفيلم الهندي، حتى حين يكون مقتبساً من فيلم اميركي، كما هو حال فيلم "القطار المحترق" لرافي شوبرا الذي اقتبس عن "البرج الجهنمي" الاميركي، فان هذا الفيلم يدمج في سياقه العناصر التقليدية. ففي "القطار المحترق" تتوقف الاحداث، مثلاً، لنرى مدرّسة وتلامذتها يغنون طوال اكثر من ثلث ساعة!
ومن المعروف أن أي فيلم هندي لا يمكنه ان يخلو من الغناء. ولعل المغنية الأشهر في السينما الهندية هي السيدة لاتامان جسكر، التي تكفي وحدها لتأمين نجاح أي فيلم من الأفلام، والقاسم المشترك بين السيدة لاتامان وأمجد خان، هو أنها هي الأخرى دخلت كتاب "غينيس" للأرقام القياسية بوصفها المغنية التي تغني بأكبر عدد من اللغات، لأن الافلام التي تصور في الهند باللغة الهندية "تدبلج" الى شتى اللغات الأخرى المنطوقة في شبه القارة، وعددها اكثر من ثلاثين لغة، ودائماً بصوت السيدة نفسها!
شعبانة عزمي: "شرط قبلناه"
الحد الأدنى المقبول من الاغنيات في أي فيلم هندي هو بين اغنيتين وثلاث، وقد يستغرق الغناء ثلث زمن الفيلم أو أكثر. ومن المعروف أن أي مشهد في أي فيلم جماهيري، اذا كانت فيه عاطفة ما، ينبغي ان تترجم تلك العاطفة على شكل أغنية. وترى زينات أمان ان "الغناء شيء طبيعي في الفيلم، ترانا ألا يمضي الواحد منا جزءاً كبيراً من ساعات يومه وهو يترنم بأغنية ما، تتغير بتغير مشاعره؟". الحقيقة ان الاغنية رافقت الفيلم الهندي منذ اختراع السينما الناطقة، ومن الصعب تصور فيلم يجد رد فعل ايجابياً لدى الجمهور ان لم تزينه الاغاني. وكذلك من الصعب تصور نجم ينجح إن لم يكن مغنياً الى جانب كونه ممثلاً. وحتى حين يكون النجم كما هو حال شرميلا طاغور مثلاً ذا صوت غير صالح للغناء، يمكنه ان يغني بأصوات آخرين. عندما تسأل شعبانة عزمي حول هذا الأمر تقول: "انها شريعة قبلناها ولا يمكننا الانفكاك عنها. اما اذا اردنا ان نمثل دوراً من دون غناء فما علينا سوى التضحية والتمثيل في فيلم فني ونحن ضامنين سلفاً ان الغرب كله سوف يتحدث عنه، لكن جمهورنا لن يحس به على الاطلاق".
الممثلة الكبيرة والنجمة الناجحة رخا، تشارك شعبانة عزمي هذا الرأي وتلفت النظر الى ان الغناء ليس وحده العنصر الفني الطاغي في الفيلم، فهناك الرقص أيضاً. وأيضاً كما ان النجمة يتوجب عليها ان تكون متقنة لأصول الغناء ولو ايمائياً يتوجب عليها أيضاً أن تتقن الرقص. ومن المعروف أن الرقص قد صاحب الفيلم الهندي منذ بداياته، ولئن كان الرقص الهندي الكلاسيكي ينقسم الى أربعة أنواع، تتنوع بتنوع الموضوع والمناسبة، وهي: "البهارات ناتيام" و"الكاتاس" و"الكاتاكالي" و"المانيبوري"، فان السينما تمكنت من ان تبتدع نوعاً خامساً، هو مزيج من هذه الأنواع الأربعة. ونذكر في هذه المناسبة ان الفنانة الكيرة هيما ملاني، حين انتقلت من استديوهات مدراس في الجنوب الى استديوهات بومباي، هوجمت كثيراً من قبل النقاد والجمهور أول الأمر بسبب ما اعتمدته من المزج بين المدارس المختلفة. غير ان اسلوبها فاز في نهاية الأمر وصار هو العملة الرائجة.
شقيق طيب وشقيق شرير
بالنسبة الى المواضيع، التي ستبدو في نهاية الأمر متشابهة من ناحية الغرض الاخلاقي والترفيهي الذي تؤديه، يمكن تقسيم السينما الهندية الى أربعة أنواع:
الأول هو الملحمي الاستعراضي، الذي يعتبر استمراراً لتقاليد الحكايات الاسطورية.
والثاني هو الميلودراما العائلية، وهو في أغلب الاحيان يدور من حول حكاية شعبية ترينا أخوين، اولهما طيب غالباً ما يكون رجل شرطة - حسب وصف الباحث الهندي بهروز غاندي - والثاني غالباً ما يكون شريراً يعيش خارج القانون. الأخوان يكونان افترقا عن بعضهما البعض منذ ولادتهما، لكنهما يلتقيان رجلين بفعل مصادفات القدر، وغالباً في حضور امهما التي تتعرف فجأة الى ابنها الضائع. هذا الموضوع تكرر في عشرات الافلام الهندية، ووصل الى اوجه بالطبع في فيلم "عمار، أكبر، انطوني" الشهير، حيث يطالعنا ثلاثة اشقاء يلتقون للتبرع بالدم لامرأة تحتاج اليه من دون ان يتعرف أحدهم على الآخر، فيتبين ان السيدة هي أمهم ويغرقون في عناقهم ودموعهم آخر الفيلم.
والنوع الثالث هو الدراما البوليسية، التي غالباً ما تلتقي بالنوع السابق، فيشكل النوعان وحدة بينهما، ودائماً من حول مفهوم الشر والخير. وأمجد خان يعتبر القاسم المشترك بين معظم افلام هذا النوع.
اما النوع الرابع، فهو الدراما الاجتماعية المليئة بالوعظ والتي يكون همها الأساسي تقديس البطل واخلاقه التي فيها صلاح المجتمع.
طبعاً ليس هنا مجال تعداد الافلام التي تنتمي الى كل نوع من هذه الانواع، وكذلك ليس من الضروري التأكيد على ان القسم الأعظم من السينما الجماهيرية ينضوي تحت لواء نوع أو نوعين في آن معاً، من هذه الانواع. ولكن ما يمكن الاشارة اليه هو ان النجوم الكبار يعملون في كل الانواع في وقت واحد. وأمجد خان يبتسم وهو يخبرك بأنه يكون في بعض الاحيان مضطراً لأن يكون شرطياً قبل الظهر، رئيس عصابة عند الظهر، مدير شركة عند العصر، ولصاً عربيداً في المساء. لماذا؟ لأنه يحدث لاحياناً ان يمثل في أربعة افلام في اليوم الواحد. ويفخر امجد خان الذي بدأ يتجه اتجاهاً صوفياً في الآونة الأخيرة بأن أي فيلم يمثل فيه لا يستغرق اشتغاله عليه أكثر من أسبوع.
زينات أمان تبدو أكثر منطقية حين تقول انها بدأت منذ فترة بتخفيف عدد الافلام التي تمثلها في وقت واحد ف "الأمر متعب في نهاية الأمر". ومن المؤكد ان المبلغ الضخم الذي تقبضه زينات أمان مقابل كل فيلم تظهر فيه نحو 200 ألف دولار يلعب دوراً أساسياً في هذا. فهي منذ تراكمت لديها ثروة طيبة باتت تمضي جل وقتها في هامبورغ أو لندن حيث تمتلك شققاً فخمة "أما في بومباي فانني لا أبقى سوى الفترة التي اشتغل فيها" تضيف زينات مبتسمة ابتسامتها الساخرة.
شعبانة عزمي أقل طمعاً من زينات أمان بكثير، وأكثر اهتماماً بالهند، ومن المعروف عنها انها تقدم مبالغ ضخمة لأعمال خيرية، وانها لا تتأخر عن التمثيل في فيلم فني وغير شعبي اذا طلب منها مخرجه ذلك، هذا اضافة الى ان شعبانة تخوض معترك السياسة منذ وقت ليس بالقصير، فهي في الأصل من أسرة مسلمة آمنت دائماً بوحدة الهند وبنضالات ابنائها. وتقول شعبانة "ان العمل السياسي يعتبر في نظري جزءاً من الفنون الجميلة، لأنك حين تعمل لصالح الناس وتدفعهم الى حب الحياة والنضال في سبيلها، لا فرق عند ذلك ان تكون فناناً أو سياسياً".
ولكن هل هناك تنافس دائم بين نجوم الصف الأول؟
"قليلاً ما يحدث تنافس"، تقول شعبانة مبتسمة، "ففي الأرض متسع للجميع" وهي تبرهن على كلامها هذا بواقع انه يحدث في بعض الاحيان ان يمثل ثلاثة أو أربعة من نجوم الصف الأول في فيلم واحد كما حدث في فيلم "شانتي" حيث اجتمعت شعبانة عزمي وبارنين بابي وزينات أمان ليمثلن معاً في فيلم ضرب أرقاماً قياسية في مدخوله. غير ان هذا كله لا يغري زينات أمان التي تقول انها رغم رضاها عن عملها وعن السينما الهندية عموماً فان ما تأخذه عليها هو كونها، دائماً، سينما رجالية "فالرجال هم الذين يفوزون بأفضل الأدوار، وبأعلى الأجور، وتوضع اسماؤهم في أماكن مميزة على الملصقات".
ولمناسبة الحديث عن الملصقات لا بد ان نشير الى ان تراكمها في شوارع بومباي وفوق جدران البنايات وعلى مداخل دور السينما العديدة يعطي هذه المدينة حيوية لونية فائقة الأهمية، كما ان الفنانين الذين يشتغلون على تحقيق الملصقات يعتبرون فنانين كباراً ويبجلّون بدورهم. ومن اللافت ان الملصق الهندي يتعمد تضخيم التعابير الفنية وتكثيف الألوان، بل لربما رسم الفنان على الملصق مشاهد غير موجودة في الفيلم على الاطلاق، لماذا؟ "لأن الملصق هو العنصر الأول الذي يجذب المتفرج البسيط الى الصالة" كما يقول الرسام شاترجي الذي يفخر بأنه مع ابنه ينجزان أحياناً أربعة ملصقات في اليوم الواحد، يطبع من كل منها عشرات ألوف النسخ" ترمى أمام أنظار الجماهير الطيبة والبسيطة.
صرخة الفن ضد التطرف
"من أجل هذه الجماهير قررت ان أخوض العمل السياسي" يقول اميتاب باطشان، الذي كان أحدث تظاهرات جماهيرية عنيفة في القاهرة حين حلّ ضيفاً على مهرجانها قبل عامين، يومها فوجئ باطشان بمدى اتساع شهرته في مصر "رغم اننا نعرف ان لديها من الأفلام والنجوم ما يكفيها".
على عكس شعبانة عزمي وشارميلا طاغور وسميتا باتيل، لم يحدث لأميتاب باطشان ان انحرف كثيراً عن نوع الأفلام السائدة التي يعمل ويتألق فيها وتجعله نجم الهند الأول بلا منازع. غير ان هذا التوجه الجماهيري وهذا الالتحام بالسينما الرائجة لم يمنعه من ان يخوض السياسة، اذ هو الآن نائب عن حزب المؤتمر. والطريف، على أي حال، ان السياسة لم تكن أبداً بعيدة عن اهتمامات كبار النجوم الهنود من راج كابور ومحبوب اللذين عرفا بميولهما الاشتراكية، الى ديليب كومار ونرجس اللذين ناضلا طويلاً الى جانب نهرو، وصولاً الى شعبانة عزمي اليسارية. ومن اللافت في هذا المجال، ان فناني السينما كانوا في الصيف الفائت من أوائل الذين تحركوا للرد على المجازر الفاشية التي ارتكبها الهندوس المتطرفون ضد المسلمين. يومها، وخلال عرضها الخاص لفيلمها "ميسيسبي ماسالا" في صالة "فورت سيري" في نيودلهي، وقفت المخرجة الكبيرة ميرا نايير، وصرخت محتجة ضد المجازر وقالت ان على الفنانين ان يفعلوا شيئاً ما، ثم دعت زملاءها لاجتماع في احدى غرف فندق آزوكا. وبالفعل في الموعد المضروب غصت الغرفة بالفنانين من مسلمين وهندوس، وعلى رأسهم شرميلا طاغور التي قالت "كيف نسمح لحفنة من المجرمين المتطرفين ان يدنّسوا سمعة الهندوسية القائمة على مبدأ اللاعنف؟". وقال المخرج كيتان مهتا حزيناً "من الآن وصاعداً لن تعود بومباي كما كانت"، أما كاتب السيناريو المسلم جواد أخطر فقال ان "على المسلمين الليبيراليين ان يقرّوا بقسطهم من المسؤولية، حيث تركوا الدين لقمة سائغة في فم المتطرفين". وتشارك الجميع، يومها في التعبير عن الغضب ضد شرطة بومباي التي تواطأت مع المتطرفين الهندوس.
كان ذلك الاجتماع صرخة من السينمائيين في وجه التطرف.
والسينما الهندية، مهما بلغت درجة عنف بعض مشاهدها، تبدو على الدوام وكأنها صرخة من اجل الانسان. وهذا هو السبب الأول الذي جعل لها جمهوراً كبيراً. جمهور يحب ان يشاهد، وعلى الدوام، الفيلم ذاته والأبطال أنفسهم مترنمين بما شاؤوا من الأغاني، راقصين على أنغام ما شاؤوا من الموسيقى. هذا الجمهور هو الذي يملأ يومياً الپ7000 صالة الثابتة أو الپ4000 صالة المتحركة التي تملأ مدن وبلدات وقرى الهند. فهل يعني هذا ان السينما الجماهيرية الهندية التي تنتجها استديوهات بومباي ومختبراتها التي تعد بالعشرات، هي على الدوام سينما رائجة؟
أبداً، رغم ان عدد بيوتات الانتاج والتوزيع في بومباي وحدها يزيد على 500 بيت. وفي هذا المجال يبدو الرقم الذي يقوله الممثل الكبير فينود خانا ذا دلالة، اذ يخبر من يحب ان يصغي اليه ان احصاءات اجريت افادت ان 2 في المئة من مجموع الأفلام المنتجة في الهند، حققت نجاحات مالية ضخمة أي كان مردود الفيلم فيها أربعة أضعاف كلفته على الأقل فيما حققت نسبة 16 في المئة أرباحاً لا بأس بها، وتمكنت نسبة 12 في المئة من اقامة توازن بين النفقات والواردات. اما نسبة الپ70 في المئة الباقية فتعتبر اخفاقات تجارية كبيرة.
ومع هذا، تواصل السينما الهندية مسيرتها وتنتشر وتنتج مئات الأفلام، ثم تجمع اهل المهنة مرة في العام لمنحهم جوائز اوسكار على الطريقة الهندية، تشبه وتماثل اوسكارات هوليوود، لكنها تضيف اليها اوسكاراً خاصاً لأفضل مغنٍ استخدم اسلوب "البلاي باك"!
السينما الهندية غنية وطيبة ومسلية، حتى وان كان عملاقها الكبير ساتيا جيت راي قال عنها ذات يوم: "ان العناصر التي يتألف منها الفيلم الهندي المتوسط معروفة: ألوان يا حبذا لو كانت ايستمان كولور، وأغانٍ سبع أو ثماني؟ تلقيها أصوات يعرفها المتفرج ويثق بها؟ ورقصات - منفردة أو جماعية - وكلما كان الاهتزاز فيها أكثر يكون أفضل، وفتاة شريرة وفتاة طيبة، وشاب شرير وشاب طيب، وغرام من دون قُبل من فضلكم ودموع وتأوهات ومعارك ومطاردات وميلودراما وشخصيات تعيش في فراغ اجتماعي وأماكن للسكن لا وجود لها خارج حيطان الاستوديو ومناظر طبيعية في كولو، مانالي، أوتي، كشمير، لندن، باريس، هونغ كونغ وطوكيو… فما الذي يمكن ان يروى بعد ذلك؟".
رسالة من فاشي سابق الى زعيمه:
"ماذا أفعل بالتراث الذي صنعه المسلمون يا سيدي؟"
أوائل الصيف الفائت وإثر المجازر الدامية التي راح ضحيتها مسلمون في بومباي، ترك مثقف هندوسي متطرف منظمة "شيفاسن" المتهمة بارتكاب المجازر، ثم وجّه رسالة مفتوحة الى زعيم المنظمة بال تاكيري قال فيها انه لم يعد قادراً على الاستمرار لأنه من المستحيل في الهند التفريق بين الثقافة المسلمة والثقافة الهندوسية، ولا سيما في الغناء والسينما، بمعنى انه من المستحيل عليه ان يختار ويتابع درب التطرف، وقال في رسالته: "لدي مجموعة من اسطوانات طلعت محمود وشمشاد بيغوم وغلام علي ومحمد رفيع، وكلهم مغنون مسلمون… فماذا أفعل بها؟ يا سيد تاكيري، لقد سبق لي ان أحببت أفلاماً نجومها هم ديليب كومار ومينا كوماري ونرجس ووحيدة رحمان وشعبانة عزمي وناصر الدين شاه فهل يمكنني ان اطردها من ذاكرتي يا سيد تاكيري؟ لقد أحببت دائماً الموسيقى الهندية الكلاسيكية التي يعزفها ويؤلفها استاذ علي رخا وذاكر حسين واستاذ بسم الله خان، وتعزف في كافة الأعياد التقليدية الهندوسية، فهل عليّ ان اتخلّى عن هذا كله فجأة؟".
واللافت ان هذه الرسالة، التي نشرت في أكبر الصحف، كان لها فعل السحر لدى الجمهور فجعلت الكثيرين منه ينصرفون عن التنظيم الفاشي بعد ان أدركوا ان انتزاع ما تبقى من مسلمين في الهند واضطهادهم، معناه القضاء على جزء أساسي من الثقافة الهندية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.