* عصابات أوروبية تسرق الآثار من صعيد مصر وتهربها في حقائب ديبلوماسية في كانون الأول ديسمبر المقبل تحصل مصر على الدفعة الثالثة والأخيرة من آثارها التي كانت اسرائيل سرقتها خلال احتلالها لسيناء، وقدرها الخبراء بخمسة آلاف قطعة أثرية نادرة. وكانت مصر حصلت بعد مفاوضات شاقة على 103 صناديق مليئة بالآثار في كانون الأول ديسمبر الماضي، تسلمها وفد مصري كان زار تل أبيب لهذا الغرض. وإذا كانت المفاوضات المصرية - الاسرائيلية حققت نجاحاً بعودة كمية كبيرة من الآثار المنهوبة، فإن مفاوضات مماثلة مع بريطانيا وصلت الى طريق مسدود، وما زالت قطعة من ذقن أبي الهول موجودة في المتحف البريطاني بينما الجزء الآخر من الذقن موجود في القاهرة، وقد رفضت ادارة المتحف البريطاني تسليم ذقن أبي الهول إلا بشروط رفضها الجانب المصري، من بينها أن يكون وجود هذا الجزء في مصر لمدة محددة مع احتفاظ بريطانيا بحق بحث استرداده في أي لحظة، على أنه قبل أن تتسلم مصر هذه القطعة الثمينة من آثارها عليها أن تسلم الجانب الانكليزي قطعة أثرية بديلة لحين عودة ما تمت استعادته. وقد ضاعت جهود النائب البريطاني برني غرانت التي بذلها لاقناع بلاده بإعادة الآثار المصرية بسدى، ويكشف الدكتور علي حسن رئيس قطاع الآثار الفرعونية في هيئة الآثار، وأحد أعضاء وفد المفاوضات المصرية - البريطانية عن مفاجأة مثيرة بقوله: "ان حجم الآثار المصرية التي تم تهريبها الى الخارج يزيد على ثلاثة ملايين قطعة وان هذه الآثار النادرة موجودة في معظم المتاحف الأثرية الكبرى في أوروبا وأميركا ومنها متحف اللوفر في باريس ومتحف المتروبوليتان في نيويورك وكذلك بعض متاحف المانيا وهولندا وبلجيكا علاوة على المتحف البريطاني. وأشهر القطع الأثرية المهربة الى الخارج هو حجر رشيد الذي فك رموزه العالم الفرنسي جان فرنسوا شامبليون وهو موجود حالياً في المتحف البريطاني، وفي أحد المتاحف الألمانية في برلين يوجد حالياً رأس الملكة نفرتيتي، والطريف ان المفاوضات المصرية الألمانية بشأن إعادة تمثال نفرتيتي كادت تصل الى النجاح في العام 1934 إلا أن الزعيم النازي هتلر تدخل لوقف المفاوضات عندما شاهد التمثال وانبهر به وقال عبارته الشهيرة وهو يمسك عصا الماريشالية ويشير الى تمثال نفرتيتي: "عليك ان تبقي هنا". هدايا الرؤساء ويقول الدكتور علي حسن ان الأبراج السماوية التي زينت معبد "دندرة" سرقت جميعها ونقلت الى متحف اللوفر في باريس، أما تمثال الملك منقرع صاحب الهرم الأصغر فموجود حالياً في متحف بوسطن بالولايات المتحدة الأميركية، وكان لصوص الآثار هربوه في مطلع هذا القرن، هذا بالاضافة الى عشرات المومياوات الفرعونية التي تم تهريبها سراً دون احترام لحرمة الموت، ومجموعة كبيرة من هذه القطع الأثرية، ان لم يكن كلها، خرجت بطرق غير شرعية عن طريق الحفر والتنقيب من دون اخطار السلطات المصرية والتي قامت بها بعثات أوروبية في النصف الأول من القرن الحالي، والتهريب من خلال تجار الآثار في مصر والخارج علاوة على أن فكرة اهداء القطع الأثرية كانت شائعة في فترة الاحتلال البريطاني لمصر واستمرت هذه الظاهرة حتى مجيء الرئيس حسني مبارك الذي رفض استخدام القطع الأثرية المصرية كهدايا للملوك والرؤساء الذين يزورون مصر، ومن ذلك على سبيل المثال انه بعد اتمام بناء السد العالي فإن جمال عبدالناصر اهدى الى الاتحاد السوفياتي آنية قديمة من المرمر من مخازن حفريات سقارة وقدمت الآنية في احتفال رسمي عقدته اللجنة المركزية في الاتحاد السوفياتي، ووضعت في مدخل قاعة الاستقبال الرئيسية في مبناها، كذلك قدمت أواني من النوع نفسه الى المتحف الوطني في طوكيو والى متحف الفاتيكان، وعلى أية حال فإن كل الهدايا الرسمية من الآثار قبل سنة 1970 تأخذ صفحة واحدة في سجلات هيئة الآثار. أما الآثار التي أهداها الرئيس الراحل أنور السادات للملوك والرؤساء الأجانب فهي عديدة، الى حد أنها سجلت في 6 صفحات كاملة في سجلات هيئة الآثار من بينها آثار قديمة لا تقدر بمال، منها عقد من الخرز "برميلي" الشكل مكون من 23 خرزة ذهبية و4 خرزات من العقيق الأزرق أهداها الرئيس السادات لقرينة الرئيس الأميركي الأسبق ريتشارد نيكسون، إضافة الى إناء من المرمر هدية للمليونير اليوناني ارسطوطاليس اوناسيس وتمثال واقف للاله اوزوريس من البرونز الخالص هدية لزوجة شاه ايران وقناع ذهبي مصغر كأنموذج لقناع "توت عنخ آمون" هدية للشاه أيضاً. مغامرون وهواة ولا تقتصر عمليات تسريب الآثار المصرية الى الخارج على التجار أو الهدايا التي قدمها الملوك والرؤساء المصريون لشخصيات أجنبية، وانما هناك نوع خطير من عمليات التهريب يقوم بها مغامرون وتجار وهواة، فقد عثرت سلطات الأمن المصرية داخل منزل أحد التجار على كميات هائلة من الآثار المنهوبة من 15 مقبرة أثرية في البر الغربي في الأقصر، قبل هذا الحادث تم ضبط 324 قضية تهريب آثار خلال العام 93 طبقاً لاحصاءات مباحث الآثار التابعة لوزارة الداخلية، على ان أخطر هذه السرقات ما كشف عنه عالم الآثار المصري لبيب حبشي في بحث له جاء فيه "ان أخطر السرقات التي حدثت في النصف الثاني من هذا القرن هي قيام حوالي 12 شخصاً بنقل تمثال في معبد "موت" في "الكرنك" بالأقصر، والذي يحرسه بعض الخفراء، وهذا التمثال يزن حوالي 7 أطنان، وتم نقل التمثال بواسطة الطريق البري من الأقصر الى مطار القاهرة". وتساءل الدكتور حبشي "هل كان في نية اللصوص فعلاً نقل هذا التمثال الضخم خارج مصر؟.. أم نيتهم كانت كسر رأس التمثال باعتباره أثمن ما فيه ونقله الى الخارج".. ويقول الدكتور حبشي "لحسن الحظ انه أمكن ضبط التمثال وإرجاعه الى مكانه". المسلات المصرية وكشفت التحقيقات التي أجرتها نيابة الأقصر أخيراً عن عصابة المانية دأبت على تهريب الآثار المصرية بعد سرقتها من المقابر المتناثرة في الصعيد، وسرقة أخرى حدثت عندما خطف اللصوص في احدى الممرات السفلية في معبد "دندرة" في الأقصر حوالي 24 قطعة من ضمنها ما يزيد عرضه على المتر وأمكن تسريب هذه القطع الى الخارج حيث عرضت في فرنسا ونقلت في ما بعد الى سويسرا وأجرت هيئة الآثار المصرية اتصالات لمنع رجال المتاحف الأوروبية من شراء هذه القطع التي خرجت بطريق غير شرعي من مصر. وفي هيئة الآثار المصرية أطلعنا على قائمة طويلة من آثار مصر المهربة الى الخارج أهمها تمثال رمسيس الثاني الموجود حالياً في متحف "توين" بايطاليا الذي أخذ من الأقصر في القرن الماضي بواسطة "درفيني" قنصل ايطاليا في مصر الذي كان مغرماً بالآثار المصرية، والغريب ان القنصل الايطالي جمع ثروة مالية طائلة نتيجة بيعه لكميات كبيرة من الآثار المصرية لمتاحف وهواة جمع الآثار، ولا يعرف أحد كيف تم تهريب المسلات المصرية العملاقة الى الخارج وهي ثقيلة الوزن وضخمة الحجم ويوجد في روما وحدها 13 مسلة مصرية مسروقة وهو رقم يفوق عدد المسلات الموجودة في العالم بما في ذلك مصر. مقبرة توت عنخ آمون ويبدو الوضع الأثري مأسوياً في الأقصر وهي أغنى مدينة في العالم من حيث الآثار، فوادي الملوك والملكات كان يحتوي على 63 مقبرة أثرية لم تسلم منها سوى مقبرة واحدة هي مقبرة "توت عنخ آمون" التي تجوب العالم حالياً وتدر أموالاً هائلة لمصر، وفي منطقة أبو صير محافظة بني سويف اتجه المزارعون الى سرقة الآثار والاتجار فيها، وتم ضبط عصابة من الفلاحين هجروا أراضيهم للتفرغ لسرقة الآثار من الجبال المتاخمة للقرى وبيعها في الأسواق السرية للآثار، ويعتبر حي "خان الخليلي" الذي يضم محلات لبيع التحف والمصنوعات اليدوية أشهر سوق سري للآثار، اذ يسهل خلط الآثار الأصلية بالقطع المصنعة، وفي كانون الأول ديسمبر الماضي ضبطت شرطة الآثار عملات مصرية نادرة في أحد الدكاكين وقدرت قيمة العملات بمليون جنيه تنازل عنها التاجر وأفرجت عنه النيابة بكفالة مالية. ولكن كيف يمكن سرقة هذه الكميات الكبيرة من الآثار بينما حدود مصر مراقبة جيداً ومطاراتها وموانئها تشهد اجراءات أمنية مشددة؟ رداً على السؤال قال ضابط كبير في مباحث الآثار: "إن معظم عمليات تهريب الآثار خصوصاً العملات النادرة والمجوهرات الفرعونية النفيسة تتم عبر الحقائب الديبلوماسية غير المسموح - برتوكولياً - بتفتيشها، لذلك فإن المطلوب هو حماية الآثار المصرية من السرقة بدلاً من البحث عنها بعد السرقة وهذا يتطلب امكانات أكبر من القدر المتاح حالياً في مصر". ويؤكد الضابط نفسه ان آثار مصر من أسوان حتى الاسكندرية يحرسها ألفا شرطي مزودون بأسلحة قديمة، بل ان حارس الآثار عادة ما يكون لا يحسن الكتابة ولا القراءة ولا يدرك قيمة ما يحرسه وهو فقير الحال وربما يتعرض لاغراءات مالية تثير لعابه، وإذا ما رفض فسيجد نفسه في مواجهة عصابات دولية يتصدى لها ب النبوت على ما يقول العوام. والطريف ان وزير الثقافة فاروق حسني سئل في البرلمان عن دور الوزارة في حماية الآثار المصرية من السرقة والتهريب، فقال: "أنا لا استطيع حماية بيتي من السرقة، فكيف أحمي آثاراً متناثرة في كل ارجاء مصر".