جائزة أدبية عربية في فرنسا : مها دلول والرهان الجريء مها دلول مثقفة تقف عند مفترق الطرق بين الحضارات والثقافات واللغات. وهي، من حيث تجربتها وموقعها الإجتماعي، تتوق الى اللقاء والسجال والتفاعل... توقها الى جمع أهل الادب والفكر والإبداع حول مشروع حضاري راقٍ، على طريقة مُلهِمات "الصالونات الادبية" التي إزدهرت في القرن السابع عشر الفرنسي مع "مدام دو رامبوييه" وأخريات. لذا انطلقت مها قدورة دلول، من مكان إقامتها الباريسي، حيث تراقب الحياة الثقافية منذ قرابة عقدين، في مغامرة طموحة تم الإعلان عنها في الايام القليلة الماضية، مع ولادة مؤسستها الهادفة الى منح جائزة أدبية سنوية. فبين ثقافتها الانكلوسكسونية وثقافتها الفرنسية وإنتمائها العربي، قررت دلول ان تأخذ على عاتقها هذا الرهان الجريء: إنشاء جائزة سنوية تكافئ كتاباً موضوعاً باللغة الفرنسية ويتعلق بالعالم العربي، وذلك بغض النظر عن جنسية مؤلفه أو مكان إقامته. تتراوح الكتب المرشحة لجائزة مها دلول إذاً، بين الاثر الإبداعي الذي ألفه عربي بلغة موليير والبحث الذي وضعه كاتب غربي أو عربي ويتعلق بشكل أو بآخر بالعالم العربي. أما هدفها الاساسي، فهو المساهمة في شبك جسور الحوار والتواصل بين حضارتين، ورفع ما يشوب أبناء الثقافتين الفرنسية والعربية في لحظة أزمة ومواجهة، من حواجز ومعوقات وأفكار مسبقة تدفع الى إساءة فهم الآخر... وقد إستثنت دلول كل ما هو سياسي ضيق الافق من جائزتها، آملة في تشجيع الباحثين على العمل في الحقل الثقافي العربي باللغة الفرنسية. اما لجنة التحكيم التي تختار الفائز كل عام، فيرأسها موريس شومان من الاكاديمية الفرنسية، وتضم روبير سوليه صاحب كتاب "الطربوش" وأحد محرري صحيفة "لوموند"، رشيد ميموني الكاتب الجزائري المعروف، أوليفييه تود وهو كاتب وصحافي بارز ينكب حالياً على إنجاز كتاب عن ألبير كامو في الجزائر، فينوس خوري - غاتا الشاعرة والكاتبة اللبنانية باللغة الفرنسية، وآخرين. بين الكتّاب الذين رشحوا لنيل الجائزة هذا العام: الجزائري محمد ديب على روايته "صحراء دون مواربة" دار سندباد للنشر، المغربي عبد الحق سرحان على روايته "شمس الظلمات"، اللبناني منصور لبكي على كتابه "بلادي في ماضيها البسيط"، والمستعرب الفرنسي أندريه ميكال مدير ال "كوليج دو فرانس" العريق، على مجمل نتاجه عن العالم العربي. وقد فاز بالجائزة الكاتب عبد الحق سرحان، بعد مناقشات لجنة التحكيم وإقتراع أعضائها. وسلمت الجائزة الى صاحب "شمس الظلمات" خلال حفل ضم عدد لافت من الفعاليات الثقافية والوجوه الإجتماعية وممثلي دور النشر الباريسية البارزة. ليانة بدر: "عين المرآة" منذ روايتها "شرفة على الفاكهاني" والكاتبة الفلسطينية ليانة بدر تحتل موقعاً على حدة فوق خارطة الرواية العربية. واليوم، بعد صدور الترجمة الفرنسية ل "بوصلة من أجل عباد الشمس" دار "متروبوليس" السويسرية - ترجمة ليلى المصري، تأتي روايتها الجديدة الصادرة عن دار "توبقال" المغربية، لتعيد تسليط الاضواء على تجربة أدبية متميّزة تستحق الدراسة والاهتمام. عملت ليانة بدر ما يقارب السنوات السبع على روايتها "عين المرآة"، التي تدور أحداثها في ديكور الحرب الاهلية اللبنانية، من وجهة نظر الحضور الفلسطيني. وقد جمعت مادتها من الواقع اليومي للناس: من الشهادات الى الصور الفوتوغرافية، ومن الاغاني الى الامثال الشعبية مروراً بكل ما كتب في الاطار المذكور. فالرواية ترصد التفاصيل، مصورة تغير الحياة وتبدل الظروف من بداية الحرب الاهلية عين الرمانة وصولاً الى حصار مخيم "تل الزعتر". والكاتبة منكبة على كتابة جزء ثان يغطي المرحلة اللاحقة. تدور حبكة "عين المرآة" حول شخصيات نسائية أساساً تواجه الظلم المزدوج: حياة المخيم ووضع المرأة والزواج المبكر من جهة، والظرف السياسي من جهة أخرى. ففي نص ليانة بدر يختلط الخاص بالعام وتصبح مقاومة القمع اليومي الحميم جزءاً من المواجهة الشاملة. وهي تبني روايتها على مفهوم ال "لا بطل" او البطل السلبي، الذي يجرف القارئ معه الى عمق معاناته. ولا تتردد في اتهام الرجل وتحميله جزءاً كبيراً من مسؤولية المأساة. عبر دخول عالم المرأة المختزل، المحاصر بين استلاب الداخل وقهر الخارج، تلجأ ليانة بدر الى ذاكرتها الكوسموبوليتية لاغناء البعد الروائي الذي يتقاطع مع البعد التسجيلي للعمل. من هنا تعدد الاصوات، وتعدد مستويات السرد، وتعدد اللهجات من الجليل الى الضفة الى بيروت...، وكلها تصب في رحلة بحث مضنية، لعلها اهم ما في مشروع بدر الروائي. إنها رحلة البحث عن الهوية... ورحلة البحث عن خلاص فردي لا يتعارض مع هاجس الجماعة المتماسكة في مواجهة المصير. فحين تكون الذاكرة مهددة، الا تبدو الكتابة وكأنها الملاذ الاخير؟ الكاتبة الشابة التي أدرجت روايتها "بوصلة من اجل عباد الشمس" في مناهج جامعة هارفرد الاميركية، والتي وردت إشارة الى أدبها في "قاموس الادب النسائي من سافو الى مارغريت إيتوود"، تعمل حالياً على إنجاز قصة طويلة بعنوان "نجوم أريحا". عملان أدبيّان من السعودية تمحور الحدث الثقافي في المملكة العربية السعودية خلال الايام الماضية، حول عملين إبداعيين جديدين. الاول كناية عن مجموعة قصصيّة بعنوان "نهاية اللعبة" تأليف بدرية البشر، التي توقع هنا باكورة أعمالها الادبية. أما الإصدار الثاني، فهو مجموعة شعرية بعنوان "جلال الاشجار" وتحمل توقيع الشاعر علي بافقيه. عبر إحدى عشرة قصة، جمعتها تحت عنوان مستوحى من مسرحية للكاتب الإيرلندي صموئيل بيكيت، واختارت لها عملاً معروفاً للفنان الإسباني سلفادور دالي كلوحة للغلاف... تدخلنا بدرية البشر إلى خفايا الحياة اليومية للمرأة في مجتمعها. وأسلوب الكاتبة يجنح الى الواقعية، رغم تأثرها الواضح بعدد من الاشكال التجريبيّة على مستوى بنية النص، ولغة السرد، وتقنيّة القص. صدرت المجموعة عن "دار الارض" في الرياض، ورسومها الداخلية للفنانة أمل البشر. أما ديوان علي بافقيه الجديد، الصادر عن "المؤسسة العربية للدراسات والنشر" في بيروت، فيتضمن خمسة عشر نصّاً، ذات نفس قريب من المناخات السوريالية التي تميز شعره عادة. ينتمي صاحب "جلال الاشجار" الى جيل السبعينات في السعودية، جيل عبدالله الصيخان، محمد جبر، محمد الدميني ومحمد عبيد الحربي الذين وزعوا إهتمامهم بين شعر التفعيلة للشاعرين الاولين وقصيدة النثر. جوليا قصار: الرهان الرابح حين وقفت الممثلة الشابة جوليا قصار عام 1989 على الخشبة، لتؤدي دوراً في مسرحية "بولفار" من إخراج جوزيف بونصّار بعنوان "مين بدو يقتل مين"، سارع النقاد واهل المسرح الى إعلان ولادة فنانة مرهفة ومقتدرة. ومنذ ذلك الحين أكدت قصار تلك التوقعات، وأثبتت حضورها، الى جانب رنده الاسمر وأخريات، كوريثة ممكنة لجيل مادونا غازي ورضا خوري ونضال الاشقر الذي عرف معه المسرح اللبناني عصره الذهبي قبل عقدين. جوليا قصار، خريجة قسم التمثيل في "معهد الفنون الجميلة" في بيروت، تميّزت مطلع هذا الموسم في عمل ريمون جباره الاخير "من قطف زهرة الخريف؟"، قبل أن تقدم خلال الايام القليلة الماضية، على مغامرة جريئة غير مضمونة النتائج. فقد ارتضت أن تمثل، على خشبة "مسرح بيروت"، دوراً صعباً بإدارة مخرجة شابة تخوض تجربتها الإحترافيّة الاولى. "شي متل... ألاسكا" هو عنوان نص هارولد بنتر، الذي اقتبسته وأخرجته جيزال بويز، وأسندت فيه الدور الرئيسي إلى جوليا قصار. تؤدي هذه الاخيرة دور إمرأة تستيقظ من غيبوبة استمرت 29 عاماً، لتواجه واقعها من جديد. ساعة كاملة على المسرح، وحدها تقريباً، في دور تراجيدي صعب، يقوم على الاداء الداخلي والتركيب الدقيق للشخصية، ودور قائم على كشف الإحساسات الحميمة، وتجسيد اعراض المرض واختلاط الازمنة وتشوش الوعي وتداخل الوهم بالحقيقة، والنوم باليقظة، والرغبات بالوقائع. ربحت جوليا قصار رهانها، وأكدت انها صاحبة حرفة متينة صهرتها على يد اساتذة كبار. ممثلة من الطينة التي أحوج ما يكون اليها المسرح العربي في المرحلة الراهنة.