فضل سكان عروس البحر الأحمر قضاء إجازتهم الأسبوعية على أطراف كورنيش جدة، هرباً من تلوث الهواء داخل أحيائهم السكنية، بسبب حرائق مردم النفايات، والتي أسهمت في خلق أكبر موجة تلوث تشهدها المحافظة، إذ دفعت الموجة المباغتة من الحر المكتوم بسبب ارتفاع معدلات التلوث الجوي، أهالي جدة للتوجه إلى الشواطئ والمساحات الخضراء في الشمال الغربي منها. وتقول منيرة قويدر، وهي من سكان حي الصفا ل"الحياة":"فضلت الاستمتاع بالهواء النقي على الشاطئ في إجازة آخر الأسبوع، خصوصاً وأن الأجواء كانت مختنقة داخل المدينة طوال الأيام الماضية". وأضافت:"إن التغيرات المناخية التي حدثت في جدة خلال الأسبوع الماضي كانت استثنائية، لاسيما وأن جدة تتمتع بجو ربيعي في مثل هذه الفترة من كل عام". أما نسرين مراد، فقالت:"في مثل هذا الوقت من كل عام يتوقف هدير أجهزة التكييف في المنازل، نتيجة لوجود نسمات هواء باردة نوعاً ما، إلا أن الأسبوع المنقضي والذي يفترض مناخياً أن تكون درجات حرارة جدة فيه منخفضة إلى أدنى معدلاتها طوال العام، شهد ارتفاعاً غريباً في الحرارة والرطوبة انعكست على تصرفات الجميع". لافتة إلى أنها فضلت قضاء يوم الخميس بالقرب من شاطئ البحر للتمتع بالهواء النقي، والذي ينعدم داخل المدينة. من جانبه، أكد مساعد وكيل أمين مدينة جدة لشؤون النظافة والبيئة الدكتور عبدالغفار أزهري ل"الحياة"، أن المناطق الشمالية الغربية من مدينة جدة خالية من تلوث الهواء الناتج من حريق مردم النفايات. وقال أزهري:"إن الرياح كانت شمالية شرقية، ما أدى إلى انتشار الدخان في أحياء جدةالشرقية والشمالية الشرقية ووسط المدينة، أما الشمال الغربي فلم يتأثر كثيراً". وأضاف:"إن الدخان مازال ينبعث من النفايات المحترقة لعدم إخمادها داخلياً، على رغم السيطرة على الحرائق السطحية وإخماد النيران". مشيراً إلى أن انبعاث الدخان هو المشكلة الوحيدة المتبقية من حريق المردم، خصوصاً وأن النفايات المحترقة تحتوي على كميات من المواد البلاستيكية وإطارات السيارات. ولفت إلى أن الدخان الأبيض لا يزال ينبعث من النفايات والذي يحتوى على غاز الميثان وغازات أخرى". مؤكداً في الوقت ذاته أن الأمانة عملت على مدار الأيام الأربعة الماضية على إخماد الحريق بشكل كامل. وحول خطط الأمانة في حل مشكلة المردم القديم نهائياً، قال أزهري:"من المتوقع الانتقال للمردم الجديد مطلع العام الهجري الجديد، إذ سيتم إغلاق هذا المردم نهائياً، وتسويره بسور عال من الخرسانة لضمان عدم دخول الأفارقة له بعد إغلاقه".وأضاف:"إن الأمانة وضعت خطة متكاملة لردم المردم القديم وتحويلة لموقع استثماري في ما بعد"، مشيراً إلى أن الامانة رصدت عدداً من المواد والمعدات والأدوات اللازمة لإعادة ترميم المردم بعد الانتقال للمردم الجديد. إلى ذلك أكد استشاري أمراض البيئة في شركة أرامكو الدكتور عماد الجحدلي، من خطورة انبعاث غاز الميتان والديوكسين الناجمة من حرق النفايات والمواد البلاستيكية. وقال الجحدلي ل"الحياة":"إن الخطورة في حرق النفايات هو انبعاث غاز الديوكسين من المواد البلاستيكية الموجودة في النفايات، وهو يعد غازاً خطراً، وتكمن خطورته في تواجده في الطبيعية وعدم تحلله، إذ أنه من العناصر التي تبقى في أجسام الكائنات الحية، ويخزن في الدهون، ويعمل على المدى البعيد في تغير DNA، ويؤثر بشكل مباشر على الجينات، وهو مادة مسرطنة لخلايا الجسم"، مؤكداً أن غالبية الدول تحظر حرق المواد البلاستيكية، وفي الغالب يتم فرز النفايات ومعالجة المواد البلاستيكة بطرق أكثر أماناً. ولفت إلى أن الخطورة البيئية الأخرى من جراء حرق النفايات تتمثل في انبعاث غاز الميثان، وهو كما هو معروف غاز خانق وخطورته تكمن في سرعة اشتعاله. ويتفق معه الخبير الزراعي الدكتور محمد بخاري بقوله:"إن مشكلة حريق مردم النفايات أسهمت بشكل كبير في تزايد معدلات التلوث الهوائي في مدينة جدة الأسبوع الماضي، ما نتج منه تزايد في حالات الإصابة بضيق التنفس والربو والحساسية". وأضاف في حديثه إلى"الحياة":"إن المشكلة الحقيقية لحرق مردم النفايات تكمن في عدم القدرة على اخماد الحرائق الداخلية للنفايات، والتي تعمل على بعث غازات سامة تلوث الهواء". وأشار بخاري إلى أن استخدام الأمانة لمياه الصرف الصحي المعالجة في إخماد النيران أسهم في ارتفاع تلوث التربة في منطقة المردم، والذي يسهم بدوره في تلوث المياه الجوفية في جدة، خصوصاً وأن المياه المستخدمة هي مياه ملوثة، إضافة إلى سحبها للمواد الملوثة والسامة الموجودة في النفايات إلى التربة ومن ثم تسربها إلى المياه الجوفية. وأكد أن أخطر تلك المواد هي مادة الديوكسين، وهي مادة سامة، ووجودها في المياه يسهم في الإصابة بأمراض خطرة على المدى البعيد، لاسيما للسيدات الحوامل، إذ أنها تسبب الإجهاض، وتشوه الأجنة، ولها مشكلات تضر بالجهاز التنفسي في حال استنشاقها.