ينتشر على حافة طرق الأحساء، وفي الأسواق الشعبية، باعة النبق الكنار الجائلون، بصورة باتت ظاهرة لكثرة المعروضات، والتي جاءت مغايرة عن كل عام، ما جعل تجارتها واحداً من مصادر دخل الكثير من الشبان. وارتبط الكنار بالأحساء منذ زمن طويل، حتى أصبح من الثمار المنتظرة والمرغوبة، لكونها من الفواكه الموسمية. ويتذكر كثيرون العلاقة الوثيقة بين المزارعين والناس بصورة عامة، والأطفال على وجه الخصوص. ويقول عبدالله السلطان:"لا تزال ذكريات شجرة الكنار في مخيلتي مع دخول موسم حصاده في كل سنة، وأتذكر كيف كنا نتشكل في مجموعات حين كنا صغاراً، نحمل في أيدينا الأكياس البلاستيكية في عملية غزو جماعية للمزارع"، مضيفاً"كنا ندخل المزرعة، فنحيط بسدرة الكنار ونهزها حتى تتساقط الثمار، وتبدأ عملية التسابق في جمعها، لتصل إلى حدود الشره، ودائماً ما نقع في ورطة حين يكتشف أمرنا صاحب المزرعة، لتبدأ المطاردات، فهي أيام لا تنسى أبداً". وانقطعت هذه العادة، حتى أصبحت لا تجتذب الجيل الحالي من الأطفال، ويفسر السلطان هذه الانقطاع بأنه"أمر طبيعي لكون الأيام تغيرت، وسعر الكيلو غرام من الكنار لا يتجاوز عشرة ريالات، وهو مبلغ ضئيل لا يمكن أن يمنع الأطفال من شراء الكنار بصورة سهلة، لكن الأمر لا يقف عند السعر، ففي السابق كنا نستمتع في جمعه بأيدينا من دون النظر إلى سعره، وهو ما يغفل عنه جيل اليوم". وما يفسر الإقبال الكبير على"الكنار"في هذه الأيام، إقبال الباعة المتزايد عليه بخلاف السنوات الماضية، فالفترة التي تحدد موسم هذه الثمرة لا تتجاوز الشهر، وبسبب عدم إمكانية تخزين هذه الثمرة، أصبحت من الثمار النادرة التي يحرص محبوها على الاستزادة منها وأكلها في وقت قياسي وبشراهة. ويتفرغ باعة الكنار خلال شهر موسمه لاستيراد كميات كبيرة منه، وبأنواع مختلفة، والترويج له في أكثر من مكان، ولعل أبرز ما يجذب الناس له، بحسب جعفر الدويني أحد الباعة الجائلين"كونه خالياً من المعالجات الكيماوية والمبيدات، فهو طبيعي بالكامل، وتمتاز ثمرته بطعم مميز وخاص". وامتاز موسم هذا العام بتنافس قوي بين الأنواع المختلفة لهذه الثمرة، إلا أن نوع"أم صليم"كان الأكثر طلباً بين الزبائن، وتفوق على"القطيفي"و"الحساوي"، و"الصيني"، و"الرياضي"، والسبب، بحسب ما نقل الدويني، أن"أم صليم، والذي يميل لونه إلى اللون الأحمر، يمتاز بطعمه المختلف عن باقي الأنواع، ولكون نواته تتحول إلى بذرة مكسرات لا تُرمى، بل يتم تناولها مع الثمرة". ولا يتجاوز سعر"أم صليم"15 ريالاً للكيلو غرام الواحد، وتتشارك مع الكنار الحساوي في هذا السعر، بينما تتراوح أسعار باقي الأنواع بين عشرة و12 ريالاً. وتعرض أنواع الكنار بطريقة موحدة وفق شكل هرمي، وينادي الباعة الزبائن لها بأهازيج شعبية خاصة. ويقول البائع الدويني:"بعد أن يجني المزارع هذه الثمرة يقوم بقطع أغصانها، لتستعد للموسم المقبل بأغصان جديدة وثمار جيدة، وعلى رغم ذلك، يبقى عدد زُراع هذه الشجرة محدوداً، على رغم الاستفادة من أوراقها في صناعة السدر المطلوب محلياً". ويضيف الدويني"في بداية الموسم وصل سعر أم صليم إلى 20 ريالاً، لكنه أخذ في التراجع وكذلك بقية الأنواع، لبدء المزارع في الإنتاج، وهو أمر طبيعي، لكن الأسعار تبقى مناسبة في متناول الجميع". ويجري مزارعون حيلاً زراعية لتحسين"الكنار"، فيقومون بتطعيم الكنار الهندي بالتفاح، ليكبر حجم الثمرة، وتصبح هجيناً بين الكنار والتفاح، ويصبح الطعم مائلاً للحموضة، ويطعَّم بالكمثرى ليميل شكل الكنار في النهاية إلى الكمثرى، ويبقى مذاق الكنار. ولعل أسوأ ما يصيب هذه الثمرة، ويضر بسوقها ومدى الإقبال عليها، غزو الديدان لها، إلا أن الباعة أكدوا انخفاض هذه النسبة"بسبب الأجواء الجيدة التي عاشتها المنطقة، واختلافها عن السنوات السابقة، وتساهم برودة الأجواء في القضاء على هذه الأوبئة"بحسب قولهم.