تحمل ضحكة عبدالله 32 عاماً المتعافي من الإدمان، أملاً في مستقبل مُفعم بالحياة، على رغم عدم نسيانه تجربته التي دامت 15 عاماً، وأثرها على عمله في أحد القطاعات الأمنية. ويقول:"تعاطيت المخدرات منذ كان عمري 18 عاماً"، ويعود بذاكرته إلى أول لحظة تعاطى فيها المخدر. ويذكر"شجعني في ذلك الوقت مجموعة من أقاربي، أعجبت بتصرفاتهم وهوسهم، وبدأت في الاحتكاك بهم في شكل متواصل ويومي"، موضحاً"في البداية تعاطيت المنشطات، وواصلت على ذلك نحو أربعة أعوام، وانتقلت بعدها إلى الحشيش والخمور، وأصبحت مدمناً في شكل كامل، واستمر الوضع معي 15 عاماً، لم أكن أستطيع العيش من دون مخدرات، على رغم محاولتي الانقطاع عنها، لكنني لم استطع". تعرض عبدالله في خضم تلك المرحلة إلى الكثير من المشكلات في عمله ومع مديريه، ما دفعه إلى ترك العمل، والانغماس في عالم الإدمان في شكل أوسع، وبقي متعاطياً غير قادر على ترك درب الإدمان، إلى أن وصل إلى مرحلة لا يمكن فيها البقاء في ذلك العالم، ويقول:"كنا نحصل على المخدرات من طريق تجارها، وكانت متوافرة بجميع أنواعها، وكنت اشتريها يومياً، إذ كنت ضحية، ولم أعد قادراً على العيش دون حياة طبيعية". ولا يختلف محمد 47 عاماً في تجربته عن عبدالله،، إذ عاش تجربة طويلة، تخبط خلالها في عالم أفقده من حوله، واستمر إدمانه نحو 23 عاماً، عاش خلالها قصصاً مأساوية بات يرويها أمام كل مدمن في حلقة العلاج، كي يبتعد عن المآسي التي جرها عليها الإدمان. ويقول:"من أين أبدأ حكاية تجربتي؟ السنوات مضت وانتهت، كان عمري في بداية إدماني 20 عاماً، كنت جالساً مع مجموعة من أصدقائي، وعرض علينا أحدهم"هيروين"، وقبلنا تعاطيه من دون تفكير، وأذكر جيداً أول لحظات تناولنا المخدر، فهناك من تقيأ ومن شعر بالهلوسة أو الرغبة في النوم العميق، ومن شعر بشرود الذهن". ويضحك محمد شارداً إلى العالم الذي هجره منذ خمسة أعوام، مشيراً في فخر إلى تحوله من"مدمن"إلى"مرشد تعافي"، يلقي المحاضرات، ويرشد المرضى المدمنين في مستشفى الأمل للصحة النفسية، ولا يخفي حسرته على"الأيام الماضية والسنوات التي ذهبت هباءً"، كما يقول، ويذكر"تأهلت إلى مرحلة ثقافة المخدرات، وابتعدت عن الهيروين، واتجهت إلى الكبتاغون والمنشطات، ودخلت السجن مرات عدة، ولم يكن ذلك سبباً لعزوفي، وإنما واصلت وبقيت ثابتاً في عالم المدمنين، تلك الأرض الصحراء القاحلة"، مضيفاً بأسى"أصبحت مروجاً، أبيع واشتري"، ويتابع"اتجهت إلى الحشيش، وهنا أصبت بالكثير من الأمراض النفسية، خصوصاً الانزواء والنسيان، إذ أصبت بحال مزرية، عندما استيقظ من النوم أبحث عن المكان الذي كنت أضع فيه السموم". وعلى رغم دخوله مرحلة العلاج، إلا أن الأدوية كانت طريقاً مكملاً للمخدرات ويوضح"توجهت إلى أحد المستشفيات للعلاج، واتبعت أسلوباً سيئاً في الحصول على المهدئات من خلال رشوة الأطباء، فأتوجه إلى أكثر من منطقة، وأحصل على علب مهدئة عدة، وكل علبة بداخلها 60 حبة، وهكذا أحصل على الكثير". ولكنه وصل إلى مرحلة أدت به إلى فقدان الوعي، ومنها اتجه محمد إلى مستشفى الأمل للصحة النفسية، ويصف العلاج ب"مرحلة طويلة جداً، لطول فترة التعاطي". نساء وأطفال لم يكن طريق المخدرات سرياً عند بعض متعاطيه، بل كان هناك من بدأ به مُشاركاً أفراد عائلته، من دون الاهتمام بتفاوت أعمار أفراها، إذ أدخل رب الأسرة الجميع في التهلكة، وجلب الكثير من المتاعب والآلام لهم. بحسب أخصائية علاج الصحة النفسية والإدمان في مستشفى الأمل للصحة النفسية في الدمام سوسن عبد الخالق. وتذكر بأسى أن"أصغر حالة تم علاجها في المستشفى كانت فتاة تبلغ من العمر 12 عاماً فقط"، إضافة إلى"منع أم مدمنة من رضاعة طفلها، إلى أن عولجت من الإدمان"، مشيرة إلى ملفات كثيرة لحالات خاضعة للعلاج من الإدمان. وتقول:"إن الطلاق يعتبر سبباً رئيساً لإدمان المخدرات بين أفراد الأسرة، من الأم والأبناء"، مضيفة أن"من الأسباب الأخرى التعاطي في فترة المراهقة، فبعضهن يتعاطين المخدرات من باب التجربة مع صديقاتهن". وتكثر القصص المأساوية التي تخلف عدداً من مدمني المخدرات، وتذكر عبد الخالق أن"إحدى النساء قامت ببيع ما تملكه من مجوهرات في سبيل الحصول على المواد المخدرة، والشيء الغريب حداثة سنها"، موضحة أن"ما مرت به من أوضاع نفسية واجتماعية جعلتها تخوض التجربة المريرة، ولكنها الآن في مرحلة التعافي".