في أقل من شهر واحد، استقبلت العاصمة السعودية الرياض اربعة رؤساء دول أوروبية، أي بمعدل رئيس كل أسبوع، اضافة إلى توافد عدد من الوزراء والمسؤولين في المنظمات والهيئات والمؤسسات الأوروبية والأميركية. فهل كانت هذه الزيارات مصادفة، أم انها"مرسومة"ضمن جهود أوروبية تهدف إلى تنشيط العلاقات السياسية والاقتصادية والتجارية مع المملكة العربية السعودية، التي تمتلك الاحتياطي الأكبر للنفط في العالم، والدولة الحيادية الموثوق بها بين دول المنطقة على مستوى الحركة والوعود السياسية، اضافة إلى واقعية طموحاتها وتطلعاتها ورغباتها الاقتصادية والعسكرية والإصلاحية؟ لم يكد الرئيس الفرنسي جاك شيراك ينهي زيارته للرياض قبل اربعة أسابيع، حتى هبطت طائرة الرئيس النمسوي فيشر في زيارة رسمية استمرت ثلاثة أيام، وما ان ودعه السعوديون حتى حل ولي العهد البريطاني تشارلز وزوجته كاميلا ضيفين مرحباً بهما، وما ان غادرا مطار الملك خالد، حتى بدأ الملك الإسباني خوان كارلوس زيارة المملكة هذا الاسبوع. في المقابل، عاد خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز لتوه من جولة آسيوية وصفت ب"الناجحة"، شملت الصينوالهند وماليزيا وباكستان، تمكّن خلالها من توقيع اتفاقات عدة في المجالات الاقتصادية والتجارية والجمركية والثقافية والعلمية، اضافة إلى تحريك مياه العمل الديبلوماسي والتنسيق السياسي والتعاون الأمني مع عواصم تلك البلدان. ما أثار غريزة"الغيرة"عند الرئيس الأميركي جورج بوش، الذي بدأ جولة مماثلة إلى كل من الهندوباكستان وماليزيا، رغبة في تحويل"العمالقة"الآسيويين إلى شركاء استراتيجيين لواشنطن! وها هو ولي العهد وزير الدفاع والطيران المفتش العام الأمير سلطان بن عبدالعزيز، في جولة مهمة شملت اليابان وسنغافورة ثم باكستان. ولا بد من ان يميز المراقب السياسي بين الرغبة السعودية الصادقة في بناء علاقات استراتيجية وشراكة اقتصادية ناجحة مع عواصم الشرق الآسيوي، والهرولة الأوروبية باتجاهها، لضمان استمرار العلاقات المميزة مع الرياض، للاستفادة من الطفرة الاقتصادية والحكمة السياسية السعودية بين دول المنطقة، في ظل مرحلة ساخنة تتميز ب"الاستقطاب"العولمي. يعتقد ان الزيارات السعودية إلى دول آسيا جاءت"متأخرة نوعاً ما"، إلا انها لم تتجاوز حلبة"التوقيت المناسب"، ما جعلها تحقق صدى طيباً ونجاحاً متوقعاً، ما سيزيد العمل الاقتصادي والاستثماري والتبادل التجاري، لتأسيس شراكات نفطية، وتنويع التجارة البينية، وزيادة حجم الاستثمارات، لما فيه مصلحة شعوب تلك البلدان. وها هي البعثات العلمية، وتبادل تدريب الكوادر مهنياً وفنياً وتكنولوجياً على مشارف بكين ونيودلهي وطوكيو واسلام أباد وكوالالمبور، لتعميق التلاقح الثقافي والحضاري بين العمالقة الآسيويين والطامح العربي المتكئ الى ربع احتياطي العالم من النفط. ويتضح لكل المراقبين من خلال المعطيات والنمو السريع للاقتصاد السعودي في المنطقة، بدرجة لا تقل عن النمو الهائل في دول مثل الهندوالصينواليابان وسنغافورة، خصوصاً ان الأولى تنام على آبار النفط، وتتحكم في أسعاره عالمياً، فيما تمتلك الدول الآسيوية مناخات اقتصادية وتجارية واستثمارية وتكنولوجية واعدة، اضافة إلى توافر الخبرات من الأيدي العاملة المؤهلة والمدربة، وهو ما يتطلب من الطرفين تنشيط الحركة اقليمياً، وتأسيس مجموعات اقتصادية متكاملة، تعتمد بعضها على بعض، وفق سياسة المصالح المشتركة. وبخلاف الطفرة الاقتصادية، تمتلك القيادة السعودية ثقلاً سياسياً، وصدقية عالية عربياً وإسلامياً ودولياً، لمنع وكبح جماح التوترات والصدامات بين دول المنطقة، والشواهد في هذا الحقل كثيرة، خصوصاً انها تتميز بحركة ديبلوماسية"صامتة"، وسياسة"هادئة"، لا تميل إلى"التصعيد"، عند التدخل في مناقشة الملفات الشائكة والمعقدة. فالسعودية عملاق طموح مرغوب فيه شرقاً وغرباً، وعليه استثمار بناء العلاقات بما يتوافق مع مصالحه المستقبلية. وأظن ذلك ما فعله الملك عبدالله في جولاته السابقة وما يفعله الأمير سلطان حالياً في شرق آسيا. [email protected]