هل لدى كلّ الشباب العربي أحلام موحّدة؟ هل يتشارك الشباب من مختلف الدول العربية الأفكار والطموحات نفسها حول بلادهم؟ وما هي الروابط التي تدفع الشباب الى التمسّك بدولهم في المنطقة العربية على رغم كلّ الأزمات السياسية والأمنية؟ عن كلّ هذه التساؤلات يجيب كتاب"Revolution By Love"الثورة النابعة من الحبّ، الذي أعده 13 شاباً وشابة من مختلف الدول العربية. ويشمل الكتاب تجارب من البلاد التي كانت لها حصّة في الربيع العربي مثل ليبيا واليمن ومصر وتونس، أو تلك التي تعيش أزمات داخلية تختلف في الصورة عن مظاهر الثورات ولكنّها تترك أثراً كبيراً في الشباب أيضاً كما في لبنان، وفلسطين، والجزائر، والمغرب، والكويت والبحرين. وجاء هذا الكتاب كنتاج لمناقشات مكثّفة خاضتها مجموعة من الشباب العرب في إحدى جامعات أميركا، فتشاركوا الهواجس والآمال والطموحات لبلادهم، ورسموا القواسم المشتركة بينهم وأرادوا مشاركتها مع الشباب الآخرين بغضّ النظر عن حدود الدول والنزاعات الناتجة من بعض السياسات. المبادرة الفردية أولاً الهدف من الكتاب الذي يُعتبر عملاً شبابياً بامتياز، هو واحد: إظهار كيف أنّ الشباب العرب ذوي الخلفيات المختلفة والآتين من ثقافات متنوّعة يتقاسمون الشغف نفسه تجاه بلدانهم والجرأة ذاتها للسعي الى غدٍ مشرق على رغم كلّ الأزمات التي تعصف بالعديد من الدول العربية اليوم. كما أنّ هؤلاء الشباب المشاركين لديهم مسارات مهنية مختلفة كالطبّ والمحاماة والهندسة، ولكن ما يجمعهم هو المبادرة الفردية كلّ في مجال عمله، بهدف تحقيق التغيير الحقيقي وليس الشكلي فقط. وتشرح المحامية اللبنانية دالا غندور التي شاركت في إعداد"الثورة النابعة من الحبّ"ل"الحياة"أنّ عنوان الكتاب يعبّر عن جوهره، فما أراد الشباب المشاركون الإضاءة عليه هو أنّ"الثورة تنبع من الداخل، من حبّ الوطن والحرص عليه، ولا يمكن لشخص أن يبادر الى التغيير ان لم يكن لديه هذا الشغف". فغندور مثلاً كتبت عن تجربتها الشخصية في الانتخابات البلدية في لبنان العام 2010، وكيفية وصولها الى المركز السابع بين 75 مرشحاً متنافساً على رغم عدم انتمائها الى أي طرف سياسي وخوضها المعركة كمستقلة. وتقول إنها حققت تلك النتيجة بسبب دفاعها عن قضايا حقوقية تهمّ المواطنين من مختلف الفئات. وتؤكد غندور أنّ هذا الكتاب أعطى صوتاً للشباب المستقلّ"الذي يملك رؤية مختلفة للأمور". أمّا السبب وراء نشر الكتاب باللغة الإنكليزية فيعود، وفق غندور، الى الاهتمام الكبير الذي أبدته دور النشر الأميركية للتعرّف أكثر الى هوية الشباب العربي وأفكاره. ويحمل كتاب"Revolution By Love"تجارب غنّية جداً عاشها العديد من الشباب العرب، وربما تكون التجربة الليبية أهمّ ما يُعرَض فيه، بسبب التهميش الكبير الذي عانى منه الشباب في ليبيا خلال حكم الرئيس السابق معمّر القذافي. وتقول الشابة الليبية سماح الميري المشاركة في الكتاب ل"الحياة"إنّ العالم يكتشف اليوم ليبيا، وقد أرادت اقتناص هذه اللحظة التاريخية لإظهار صوت الشباب الليبي الذي يحاول أن يعيد إعمار بلاده بسبب تعلّقه بأرضه. لكن الميري تلفت النظر أيضاً الى التحدّيات الكبرى التي يواجهها الشباب الليبيين لأنّهم كانوا مهملين فترات طويلة، وهم اليوم يعيشون حالاً من القلق المستمر تجاه الحكومة التي تشكّلت في بلادهم. كما تشير الميري الى أنّ الشباب الليبي يحاول بناء الديموقراطية في دولته بعد إثنين وأربعين عاماً من النظام الديكتاتوري، وإذا كانت ليبيا"تُشفى اليوم من مشاكلها فذلك يعود الى قدرات الشباب على رغم النزاعات العديدة التي تحصل لتقاسم السلطة والثروات". ومن اليمن يبرز صوت الشابة شذى الحرازي التي تشارك في الكتاب بقصص واقعية تظهر جوانب لم يعتد الإعلام إبرازها. وتقول الحرازي في مقابلة عبر الإنترنت مع"الحياة"إنّ الكتاب جاء ليبني صورة مشتركة عن آمال وطموحات الشباب العربي، بهدف دفع الفئات الشابة الى أداء الدور المطلوب منها أي"شقّ الطريق نحو الديموقراطية الحقيقية وإرساء مبادئ المواطنة المتساوية". ومن جهة اليمن تحديداً، تؤكد الحرازي أنّ الشباب هناك أصبح يمارس أدواراً مختلفة عن السابق، وبات أكثر إصراراً على التدخّل والمشاركة في العملية السياسية. واليوم تشارك الحرازي نفسها في إعداد مبادئ الدستور القادم لليمن عبر مؤتمر الحوار الوطني الشامل، وهذا"أمر لم يكن ليجري لولا ضغط الشباب لممارسة الدور الرقابي والمشاركة في امور الدولة"كما تقول. لكن تبقى المحاصصات والانقسامات السياسية هي المشكلة الأساسية، وفق الحرازي، ما يعيق التغيير الجذري على أرض الواقع. افتقاد القادة الشباب "الشباب في فلسطين يتنفّسون السياسة حتّى وإن لم يكونوا منخرطين في العمل السياسي"، هكذا تصف الشابة الفلسطينية رغدة أبو شهلا واقع الشباب في فلسطين. وتخبر أبو شهلا بكلّ شغف عن مشاركتها في الكتاب بهدف إظهار دور الشباب المهم والحسّاس لفهم الماضي والتعلّم منه ومراعاة التغيّرات الحادثة حولهم والاستفادة منها لإحداث تغيير إيجابي في أوطانهم. وتشدّد أبو شهلا على التحدّيات الكثيرة التي يواجهها الشباب الفلسطيني كتقييد الحريات، صعوبة التنقّل، ناهيك بالاحتلال والانقسام الداخلي والحصار في غزّة، بالإضافة الى المستوطنات وجدار الفصل في الضفّة الغربية. وقد أرادت أبو شهلا، من خلال الكتاب، إيصال رسالة الى الشباب في فلسطين وهي أن يكون منخرطاً أكثر في العمل السياسي، لأنّ كلّ القرارات التي تتّخذ محلياً وخارجياً تؤثر في حياته، فيما اليوم ليس هناك العديد من القادة الشباب الفلسطينيين بسبب حالة الإحباط السياسي والاقتصادي والأمني. لكنّ أبو شهلا تتمسّك بالأمل بأنّ الشباب سيسعى للحصول على فرصة المشاركة في بناء المجتمع لأنّه يختزن طاقة كبرى يجب الاستفادة منها. كلّ تلك التجارب وغيرها يعرضها كتاب"Revolution By Love"الذي بات متوافراً في المكتبات اللبنانية كخطوة أولى على أن يكون بعدها موجوداً في الدول العربية الأخرى. وإذا كان لهذا الكتاب أثر، فهو أنّه يعيد التذكير بأنّ هناك"شباباً عربياً"لديه كلّ إمكانات الضغط على الأنظمة الحاكمة بهدف التطوير والتغيير.